أغصان مزخرفة ..

يمثل الشكل أعلاه أحد الأكتاف الجانبية لمدخل الروضة العباسية المقدسة في مدينة كربلاء ، وقد أتى به الفنان المزخرف بقوام مستطيل بأبعاد تراوحت بين طول 3,40 وعرض 1 متر،

ومُيز هذا التكوين عن غيره من الأشكال التي غطت جدران ومداخل الحضرة العباسية بتنوّع البُنى المكوّنة لعناصره وأشكاله وألوانه .

لو تأملنا قليلا في هذا التكوين الإبداعي لوجدنا إن الفنان قد عمد إلى تقسيم مساحي منظم لعناصر التصميم، تمثل في تناظر ثنائي رائع وفقاً للمحور العمودي ذي التكوينات المتنوعة المتمثلة بالتكوينات الركنية والآنية والقلوب الزخرفية، وتظهر عملية تنظيمها الشكلي بدءاً من الأسفل صعوداً إلى الأعلى عبر محور واحد، وقد تم فيها اخضاع تقسيم الآنية إلى تناظر ثنائي ضمناً مع التقسيم الأساسي للتصميم العام والتي حقق فيها المصمم سيادة واضحة من خلال اهتمامه في إعطائها سيادة مساحية أدت بدورها إلى تميزها عن باقي التكوينات الأخرى المكوّنة للشكل.

ونلاحظ أيضاً إن تقسيمات القلوب الزخرفية الشاغلة للمساحة الأساسية للشكل قد تنوّعت ، حيث اعتمد أحدهما على التناظر الثنائي وفق الامتداد العمودي في حين اعتمد الآخر على التناظر الرباعي وفق الامتداد الأفقي، فضلاً عن القلوب الزخرفية على بدن الآنية والتي تُميّزت كأنها نفذت وفقاً لتقسيم غير متناظر، في حين ظهرت التكوينات الزخرفية الركنية وفق التقسيم المتناظر ضمن التصميم العام وغير المتناظر في الربع الزخرفي.

أما التنوّع في بُنية المفردات والأغصان النباتية وتنظيمهما فقد أبدع فيها الفنان بشكل لافت للأنظار حيث شمل التصميم إنشاء أحادي لنوع واحد، تمثل بزخارف نباتية زهرية وما تتضمنه من مفردات بسيطة ثلاثية وخماسية وسداسية الفصوص وأزهار خماسية الأوراق، لحقت بها بعض المفردات الثلاثية الفصوص الأخرى ذات القاع الكأسي ، فضلاً عن أزهار رباعية وخماسية الاوراق مزدوجة الخطوط أشبه بورقة العنب ومفردات مركبة مزدوجة الأوراق ذات قاع كأسي أيضاً تراكبت عليه بعض المفردات بسلاسة وفقاً لمسار الحركة الغصنية، مما حقق بدروه تكافؤاً شكلياً من خلال اشغالها الحيِّز المساحي المتاح .

من جانب آخر صمم الفنان أوراق نباتية سعفية مسننة الحواف ذات تكثيف شكلي داخل التصميم العام منها المفردة والمدمجة مع الأغصان وأخرى ثلاثية الأوراق مركبة على عنصر كأسي الزهرة، إضافة إلى الأوراق الملساء الملحقة ببعض المفردات البسيطة والمركبة .

أما ما يخص التكوينات الركنية للشكل فقد شغلت بزخارف مزدوجة الخطوط ذات نهايات ملتفة وتفرّعات شاغلة للمساحة الأساسية للتكوين ومتضمّنة حشواً داخلياً ببراعم لها استطالة تشبه النهايات الغصنية الملتفة

وجاء  تنظيم حركة الأغصان بحركة حلزونية تعدَّدت فيها مناطق انبثاق الأغصان، إحداها منبثقة من الأزهار المتراكبة لفوهة الآنية والأخرى من القلب الزخرفي المنبثق من توليفة الأزهار المتراكبة بحركة حلزونية صعوداً نحو الأعلى شاغلة لمساحة التصميم العام.

أما التكوينات الركنية فأظهر الفنان حركتها وفق تنظيم حلزوني متعدّد الاتجاهات بغية إشغال مساحة التكوين.

أما التنوع الذي أبدعه المصمم في بنية الوحدات الزخرفية النباتية، فقد ضم التكوين عناصر مختلفة تمثلت بالآنية والقلوب الزخرفية، حيث شكل التكوين السفلي للتصميم من الآنية الزخرفية المتألفة من الفوهة المفصصة المحملة بالأزهار القريبة من الواقع ذات الأوراق والأغصان المنفذة بصورة متراكبة عاكسةً المسقطين الرأسي والجانبي، فضلاً عن العنق المرتبط مع البدن من خلال محيطها، وهي ذات شكل نحيف نسبياً والبدن ذو اتساع من الأعلى ونهاية مستدقة ترتبط مع القاعدة،  في حين ترتكز تلك الآنية في إناء شغل فضاؤها الخارجي بزخارف متكونة من مفردات بسيطة ثنائية الفصوص وأخرى خماسية وأزهار بسيطة سداسية الأوراق وأخرى مستديرة متعددة الأوراق، وأغصان ذات توريقات ملساء ومسننة اعتمد تنظيمها الشكلي على حركة حلزونية ملتفة ومتدلية نحو الأسفل لغرض اشغال فضاء النهاية المستدقة من البدن والقاعدة، وتم توظيف القلوب الزخرفية ضمن بدن الآنية بمناظر طبيعية ظهرت منها بصورة كاملة وأخرى بهيأة أنصاف إضافة إلى القلوب المشغولة بمفردات زهرية قريبة من شكلها الواقعي.

 اعتمد المصمم تنوّعاً لونياً مميزاً في أشكال هذا التكوين، حيث الاستخدام الدقيق للون الأزرق في ملء المساحة الزخرفية واعطاء سيادة لونية للفضاء الكلي، في حين نجد تكراراً لونياً متدرّجاً يضفي تتابعاً بصرياً عبر انتشار اللون الأحمر وتدرّجاته للأزهار القريبة من الواقع في الأزهار المتراكبة لفوهة الآنية، وهذا التدرج ساعد على الايحاء بالشفافية والعمق واضفاء الواقعية للمفردات الزخرفية، فضلاً عن التكرار اللوني المتناوب للونين الشذري والأبيض لتكوينات الآنية والقلوب يتخللها توظيف للونين الأصفر والأحمر المتدرجين والشذري والأبيض للمفردات المنتشرة ضمن المساحة الأساسية ، كما استخدم اللون الأخضر للأغصان الرئيسية والأوراق النباتية .

أما اللون الأصفر الفاتح فقد نُفذ في عمل الأغصان الموظفة ضمن الآنية الزخرفية، إلّا أن التكوينات الركنية عملت بلونين متضادّين هما الأسود والأبيض على أرضية ذات لون شذري، إذ نجد أن هنالك استخدام للون الأصفر كعقد رابطة للزخارف الغصنية مما أعطى للشكل قيمة جمالية من جهة ووحدة لونية منسجمة مع الهيأة العامة للتصميم الشكلي من جهة أخرى .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

 

المرفقات