قبر الامام الحسين في عصر هارون العباسي

كانت فترة حكم هارون الرشيد قاسية على الشيعة حيث مارست سلطته أبشع أنواع التعذيب والتنكيل والتشريد بحقهم وطالت يداه مقدساتهم فدفعه بغضه الشديد لهم إلى هدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وهدم الدور المجاورة حوله وكانت هناك سدرة عند القبر يُستدل بها عليه فأمر بقلعها وحرث موضع القبر ومحى أثره (1).

ويذكر هذه الحادثة بالتفصيل السيد محسن الأمين (2) نقلا عن السيد محمد بن أبي طالب في تاريخه (تسلية المجالس) فيقول: (وكان عليه ـــ أي قبر الحسين ــ مسجد.... وفي زمن هارون الرشيد فإنه خربه وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده وكرب موضع القبر..)

وقد اقترن هذا التهديم في المصادر بقصة شجرة (السدرة) التي كان الزوّار يستدلون بها على قبر الحسين ويستظلون بها فأمر الرشيد بقلعها، فقد روى الطوسي عن يحيى بن المغيرة الرازي قوله: (كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس، فقال: تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين (عليه السلام) وأمر أن تقطع الشجرة، فقطعت فرفع جرير يديه وقال: الله أكبر، جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثاً فلم نقف على معناه حتى الآن، لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين حتى لا يقف الناس على قبره) (3)

وقد نقل هذه الرواية بألفاظ مختلفة ومضمون واحد ابن شهر آشوب (4) والمجلسي (5) والشيخ محمد السماوي (6) والسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة (7). وهذه الشجرة (السدرة) كانت موجودة منذ العصر الأموي ومكانها كان بجانب القبر وتعد نقطة دالة للزوار، ولا يزال هذا الاسم ــ السدرة ــ مقترناً بالقبر الشريف حيث أطلق على الباب الشمالي الغربي للمرقد والشارع الذي يقابله.

ويؤكد المستشرق الدكتور جون هوليستر في كتابه (شيعة الهند) وجود هذه الشجرة رغم أنه يسميها بشجرة (عنجاص) ــ ولعله الإجاص ــ أي الكمثري ــ فيقول: (كذلك إن إحدى الروايات الشيعية تنص على أن بعض المؤمنين المحبين لأهل البيت كان قد أشر على مكان القبر المطهر بزرع شجرة (عنجاص) بالقرب منه، ولكن هذه الشجرة قد اجتُثّت فيما بعد بأمر من الخليفة هارون الرشيد، وحُرِثت الأرض المحيطة بها، غيرَ أنّ بعض النازلين على مَقربة من الموقع بادروا إلى وضع علامة غير ظاهرة فيه) (8)

وقد نقل هذه الرواية الدكتور جعفر الخياط (9). وربما خفي على هوليستر معرفة (السدرة) أو ربما هناك تقارب في اللفظتين بلغته، ولكن المهم أنه كانت هناك شجرة قرب القبر وأن الرشيد أمر بقلعها وهدم القبر الشريف والدور المجاورة له. وقد ذكر المجلسي إن الذي باشر بهدم القبر هو الوالي على الكوفة من قبل الرشيد موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (ت 182هـ/799م) (10)، وذكرت المصادر أن موسى هذا هدم القبر الشريف عام (193هـ) في أواخر أيام الرشيد، ولكن يعقوب نعوم سركيس انفرد بالقول بأن عملية الهدم كانت عام (171هـ) (11) وهذا القول يتعارض مع الواقع التاريخي حيث إن موسى بن عيسى العباسي قد تولى الكوفة سنة (172هـ).

ويؤكد القول الأول الدكتور عبد الجواد الكليدار بقوله: (وفي السبعة عشر سنة الأولى من حكمه ــ أي الرشيد ــ ما بين عام (170 ــ 187) لم تظهر نواياه نحو الحائر لوجود موانع ولكنها ظهرت في المدة الأخيرة من حكمه، حين بلغ منه الحقد على العلويين وعلو مكانتهم في القلوب أن أغاظه ما كان من توجه النفوس وتهافت الزوار بتلك الكثرة على كربلاء) 

ثم يشير الكليدار إلى القصة التي أثارت حفيظة الرشيد من مكانة القبر في نفوس المسلمين وتلهف الزوار عليه فيقول: (وقد أحفظه ــ أي الرشيد ــ في أواخر حياته ما شاهده لحرم الحسين (عليه السلام) من النظام وحسن الإدارة ومن التعظيم والتقديس، والعناية التامة بأمره من قبل الخدم والسدنة القائمين بخدمة القبر فاستدعى سادن الحرم (أحمد بن فرج) ابن أبي داود لمعاقبته، فلما حضر سأله الرشيد بغضب عن سبب وجوده في القبر فقال له: إن الحسن بن راشد قد وكله هذه المهمة فأمر الرشيد بإحضار الحسن وسأله نفس السؤال فأجاب الحسن بأن الذي أمر بذلك هي أم موسى ــ زوجة المنصور وأم المهدي وجدة الرشيد ــ وأن يعطي السادن كل شهر ثلاثين دينارا).

زاد هذا الموقف من سخط الرشيد ولكنه كظم غيظه وقد عزم في نفسه على عمل هو أكبر وأعظم من معاقبة ابن أبي داود والحسن بن راشد. يقول الكليدار:

فسكت الرشيد وأمر بأن يرجع ابن أبي داود إلى الحرم المقدس وأقر ــ بالظاهر ــ ما كانت قد أقرته أم موسى غير أن الحوادث أثبتت فيما بعد بأنه عزم في تلك اللحظة على أمر أهول وأخطر ما يكون فدعاه البغض إلى هدم كربلاء من أساسها فأمر بهدم القبة السامية والدور المجاورة واقتلاع السدرة وحرث الأرض ليمحي كل أثر للقبر) (12)

ولم تطل أيام الرشيد بعد هدمه قبر الحسين حيث مات في نفس السنة ــ 193هـ ــ وسرعان ما بُني القبر مرة أخرى بعد موت الرشيد مباشرة وبقي القبر شاخصاً ببنائه أربعين سنة حتى تولى المتوكل الخلافة فكان عهده من أقسى العهود التي مرت على القبر.

........................................................................................

1ــ تاريخ كربلاء ــ ص (143)

2ــ أعيان الشيعة (ج 4 ص 304) ـــ نزهة أهل الحرمين ص (16)

3ــ الأمالي ص (206)

4ــ المناقب (ج2 ص189)

5ــ البحار (ج 10 ص 297)

6ــ مجالي اللطف (ص 39)

7ــ تاريخ كربلاء المعلى (ص 11ــ12)

8ــ الصفحة 64 Hollister, gohn Norman- the Shi A of India, London 1953.  

9ــ موسوعة العتبات المقدسة ــ قسم كربلاء ص (257)

10ــ البحار (ج 10 ص294 ــ 295) ــ تاريخ كربلاء لعبد الجواد الكليدار ص (178)

11ــ صحيفة البديل الإسلامي العدد (62)

12ــ تاريخ كربلاء ص (176)

كاتب : محمد طاهر الصفار