تتضمن هذه المخطوطة جزء من الآية الكريمة الرابعة عشر من سورة المؤمنون (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) والتي نفذت بالخط الكوفي المضفور وسط مساحة هندسية مستطيلة الشكل .
اعتمد الخطاط في اشغال مساحة التكوين على التماثل في اجزاء معينة للنص والتي تتمثل في الاضافات الزخرفية النباتية المتفرعة من ابدان الحروف ونهاياتها ، وهي متشابهة وغير متماثلة من حيث الهيئة الشكلية للحروف التي تستقر على سطر الكتابة والحروف النازلة عنه فضلاً عن الحروف العمودية للنص.
عمد الخطاط في هذا العمل الفني الى استثمار التغيير الشكلي للبنية النصية للحروف واظهارها بشكل زخرفي مع اتجاه مسارات الحروف من اعتدال واستقامة وامتداد كما هو واضح في الحروف العمودية للكلمات التي تتفرع منها العناصر الزخرفية المحققة للتوازن والتكافؤ في مساحات التكوين الفني وتوازن في الهيئة الشكلية للعمل بشكل كلي.
نظم الخطاط البنية النصية وفق نظام توزيع سطري متتابع غير متراكب للكلمات و الحروف بما يتلاءم مع المساحة المخصصة لها ،وقد حقق ذلك من خلال اضافة العناصر الزخرفية المتفرعة من نهايات الحروف لتكون بالشكل الذي يظهر عليه التكوين وعدم اشغال كل المساحة التي تحيط بالنص والتركيز على البنية النصية ، مما يحقق الجانب الوظيفي للنص حيث يتتابع بدءاً من اليمين الى اليسار بتتابع وتسلسل ، كما تمثل التكرار في بالبنية الزخرفية المتفرعة من الحروف العمودية للنص ، فضلاً عن تكرار الحركة الاتجاهية المائلة للحروف لكل من حرف (س) في كلمة (احسن) وايضا حرف ( ن ) في كلمة الخالقين فضلا عن الالف واللام فيها ، محققاً توازناً ما بين البنية النصية والزخرفية والاجزاء التي تشغلها ،بإيقاعية متناغمة فيما بينها ، كما تمثلت الوحدة والتنوع في التكوين الذي تمثل في التباين الشكلي لكل من الحروف والعناصر الزخرفية المضافة اليها ، من خلال التغيير الشكلي للبنية الحروفية والاتجاهية لها ، والتي ترتبط فيما بينها بعلاقة الجزء بالجزء الاخر وعلاقة هذه الاجزاء بالمساحة الكلية للتكوين ، محققاً بذلك جمالية تسود التكوين والعناصر المكونة له .
اما السيادة فقد ظهرت على محاور عدة في هذه المخطوطة ، من خلال الطابع الزخرفي والشكلي الذي ساد على الهيئة الكلية للتكوين ، فضلاً عن سيادة الاتجاه الحركي لبنية الحروف المائلة لكل منحرف (س) و(ف) وحرفي (الالف واللام) في اسم الجلالة (الله) وحرف (ي) و (ن) في كلمة (الخالقين) ، بما يتلاءم مع المساحة الشكلية وكونه اسلوباً مبتكراً للتكوين يتميز به هذا النوع من الخط عن غيره .
اما النسبة والتناسب فتمثلت في العلاقة التناسبية ما بين الحروف والمساحة التي تشغلها ،من حيث ارتفاعها وامتدادها على سطر الكتابة ، بتوظيف العناصر الزخرفية والنباتية المتفرعة من ابدان الحروف ونهاياتها المميزة بشبهها بالتيجان في الهيئة الشكلية للتكوين ، حيث نلاحظ ان تنظيم وحدات التكوين والعناصر البنائية له وفق قياس مساحي ما بين طول كل حرف وامتداده وقياس كل كلمة مع الكلمات الاخرى ، والذي ظهر فيه التناسب ما بين جزء التكوين العلوي المتمثل بالوحدات الزخرفية ، والجزء السفلي الذي يحتوي على الحروف والكلمات ، فضلاً عن الحروف التي تظهر في هيئتها مثلثة الشكل محققاً بذلك جمالية للحروف وتناسب في مقاييس الحروف على الرغم عن التغيير الاتجاهي لبنية الحروف ، كما و حقق في التكوين الجانب الجمالي للعناصر الخطية والزخرفية التي تتناسب فيما بينها والمساحة المنفذة عليها ، فضلاً عن التضافر ما بين الحروف والتغيير الاتجاهي والشكلي للبنية الخطية ككل مما اضفى تنوعاً وتجانساً فيما بينها .
ولا يسعنا هنا غض الابصار عن الجانب الوظيفي للحروف والكلمات المخطوطة .. فقد تجسد واضحا في التتابع القرائي للنص تبعاً لنظام التوزيع الذي اخذت من خلاله كل كلمة موقعها المكاني المناسب ،في حين تظهر المسافات التي تفصل بين الحروف مختلفة فيما بينها التي قد تكون مقصودة نتيجة المعالجة التصميمة بهدف ملائمة المساحة واظهار التكوين بالهيئة الشكلية الابداعية التي هو عليها امام المشاهد .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق