اشار ممثل المرجعية الدينية العليا في الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ (28 /7 /2017م) ان مجتمعنا والكثير من المجتمعات الاسلامية تعيش ظاهرة تعدد وتنوع الانتماءات الدينية والمذهبية ضمن الوطن الواحد، مبينا ان هذا التعدد والتنوع ناشيء من اختلاف في المنهج العقائدي والفقهي والسياسي والاجتماعي، الا انه في نفس الوقت توجد مشتركات كثيرة.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان ائمة اهل البيت عليهم السلام نظروا الى هذا الواقع الاجتماعي الذي لا محيص عنه ووضعوا وبينوا وادركوا مخاطر تلك الظاهرة ان لم يوضع لها منظومة مبادئ، مستدركا ان البعض يتصور ان الاختلاف العقائدي والفقهي والسياسي والاجتماعي في هذه المنظومة مدعاة للعزلة والانفصال والتباعد الاجتماعي عن الاخر المخالف في الرؤية المذهبية، كما في نفس الوقت يعده البعض مدعاة للفتنة المذهبية والتناحر والعداوات.
واضاف ان المنظومة الاسلامية اخذت هذا التعدد والتنوع كواقع حال لا محيد عنه ولا محيص وقنّنت منظومة التعامل الاجتماعي والثقافي والسياسي الصحيحة والمتسقة مع الفطرة والسيرة العقلائية والمنظومة السماوية التي نزل بها الانبياء عليهم السلام وخاتمهم النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مبينا ان منظومة اهل البيت الروائية اشتملت الكثير من الاسس الاجتماعية لهذا التعايش ورسمت خارطة طريق شاملة وصحيحة لكيفية تعايش اتباعهم مع خلطائهم من اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى بما يضمن صيانة المجتمع الاسلامي من مزالق الانجرار الى الصراع المذهبي ويحفظ للامة الاسلامية مصالحها العليا، وفي نفس الوقت يحفظ هوية اتباعهم العقائدية والفقهية والاجتماعية.
وتابع ان اهل البيت عليهم السلام ارادوا من خلال هذه المنظومة مع وجود هذا الاختلاف، وضع منظومة اجتماعية يحصل من خلالها التواصل الاجتماعي الدائم الذي يمكن من خلاله حفظ النسيج الاجتماعي الدائم وقوة العلاقات في المجتمع الواحد.
واكد على التماسك الاجتماعي لأن جميع ابناء البلد الواحد من الطلبة والموظفين والمواطنين بينهم اختلاط، والكل يتحمل المسؤولية، منوها ان العمل بهذه المنظومة سيكتب النجاح للجميع والعكس من ذلك يؤدي الى خسارة الجميع.
واوضح ان اهل البيت عليهم السلام حرصوا من خلال سيرتهم وتوجيهاتهم المختلفة والمتكررة في مواضع متعددة على خلق حالة من التعايش السلمي بين اتباع المذاهب الاسلامية ابتغاءً منهم لتحقيق الاهداف المذكورة في المقدمة.
واستعرض ممثل المرجعية الدينية العليا جملة من الروايات التي تؤكد على ضرورة التعايش الاجتماعي، مبينا انه ورد عن معاوية بن وهب احد اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قلت له : كيف ينبغي لنا ان نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على امرنا؟ فقال : (تنظرون الى ائمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله انهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الامانة اليهم).
واستدرك ان معاوية بن وهب يسأل الامام (عليه السلام) عن هذه الظاهرة الاجتماعية (العيش المشترك بين اتباع اهل البيت عليهم السلام واتباع المذاهب الاسلامية الاخرى الذي هو قدر المسلمين ولا محيص عنه) وما التكليف الشرعي في ذلك، مشيرا الى ضرورة التنبه لسؤال معاوية بن وهب واستخدامه لكلمة (خلطائنا من الناس) التي تعني الذين يختلطون معنا ويعيشون بين ظهرانينا في مجتمع واحد كالجيران والاصدقاء والزملاء والموظفين والمدرسين والطلبة في الجامعات والمدارس والعمل وهم ليسوا من مذهبنا فكيف نتعامل معهم؟.
واشار الشيخ الكربلائي ان الملاحظ ان هذا التعبير وغيره اتى بنحو الكناية للتعبير عن طائفة معينة بسبب الظروف الحساسة التي يمرون بها حتى لا تثير الاخرين وتنتقل الحساسية اليهم اذا ما استعمل التعبير الصريح، مبينا ان هذه الظاهرة تبين مدى حرص ودقة اهل البيت عليهم السلام ومنهجهم الذي يحافظون من خلاله على سلمية التعايش بين المسلمين والذي انتقل الى اصحابهم في تعابيرهم عند السؤال.
واردف ان الامام (عليه السلام) يبيّن انه : يا ايها الشيعة اجعلوا من تعامل واخلاق اهل البيت مع اصحاب المذاهب الاخرى ميزاناً لسلوككم الاجتماعي والاخلاقي.
واستوقف الشيخ الكربلائي عند قسم الامام (عليه السلام) بالله حينما قال "فوالله انهم ليعودون مرضاهم"، موضحا ان البعض – ربما- يشكك ويستغرب في ان اهل البيت عليهم السلام يتعاملون هكذا انطلاقاً من نظرته الضيقة او السطحية والساذجة النابعة من عدم معرفته بما تقتضيه المصالح العليا للمسلمين وما هي طبيعة مكارم اخلاق اهل البيت عليهم السلام، مبينا ان الامام (عليه السلام) يقسم بالله ليزيل الشك والاستغراب ويؤكد للسائل واتباعه حقيقة اخلاقية عليا لابد لاتباعهم من العمل بها حتى وان خالفت اهوائهم وأمزجتهم.
وتابع انه في وصية للامام الصادق (عليه السلام) لأبي اسامة زيد الشحام قال، قال لي ابو عبدالله (عليه السلام) : (اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام و أوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله)، أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا أو فاجرا، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله لحدثني أبي (عليه السلام) أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعه علي (عليه السلام) فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: من مثل فلان إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث).
وقال خطيب جمعة كربلاء ان الامام الصادق (عليه السلام) اوصى بهذه الوصايا الاخلاقية الرفيعة التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر فيها وصايا تتعلق بتنظيم العلاقات الاجتماعية بين اتباعه وبقية المذاهب الاسلامية، واكد على نقطة مهمة جداً الا وهي اهتماهم بنظرة اتباع المذاهب والاديان والاخرى اليهم، موضحا ان الامام الصادق (عليه السلام) يوضح بنفسه الاثار المأساوية لعدم الالتزام بتعاليمهم في هذا المجال فيقول (عليه السلام) : (وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر).
حيدر عدنان
تحرير: ولاء الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق