حذر ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، من مغبة الانسياق وراء "المدح"، فيما أكد أن المتقين لا يهمهم تشكيك المشككين.
جاء ذلك في جانب من خطبته الأولى التي ألقاها في صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف، والتي شرح فيها مقاطعاً من خطبة المتقين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال سماحته: "لا يصح للمتقي إن ينساق وراء المدح من الآخرين ويصيبه حالة من النشوة والارتياح والرضا بالنفس".
وأضاف، أن الانسياق وراء المدح قد يوقع صاحبه في العجب والغرور أو على الأقل الرضا بأعماله فيوقفه عن محاسبة النفس وشعورها بالتقصير.
وشدد سماحته على ضرورة أن يُشعر الإنسان نفسه بالخوف من الله تعالى ومن ذنوبه ومعاصيه وعيوبه.
وأكد المتولي الشرعي على أن الإنسان المتقي يكون ثابتاً في دينه قوياً يقاوم وساوس الشيطان من الجن والإنس لا يؤثر فيه تشكيك المشكك ولا ينخدع بخداع المنحرفين.
وفي شرح ما ورد في خطبة المتقين من قول أمير المؤمنين: {وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَقَصْداً فِي غِنًى وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ}، أوضح سماحته أن المتقين حريصون على تعلم العلوم الربانية من أهلها، واعتبره حرصاً ممدوحاً.
وأشار إلى الحرص المذموم بالقول: "وأما المذموم منه فهو الحرص على تحصيل المال والشهرة والجاه والرئاسة والمناصب وغيرها".
إليكم النص الكامل للخطبة الأولى:
الخطبة الأولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 30/ربيع الاول/1438هـ الموافق 30 /12 /2016 م :
ورد في خطبة المتقين لأمير المؤمنين (عليه السلام):
(إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَحَزْماً فِي لِينٍ وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَقَصْداً فِي غِنًى وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ).
الناس في غالبيتهم يحبون الاطراء والمدح والثناء وهذا يلبي رغبات النفس في الشعور بالنجاح والكمال والغالب منهم – ايضاً- ينساق وراء هذا المدح فتصيبه حالة من الرضا بالنفس والاعتداد بصفاتها وقد يؤدي به الى الوقوع في الغرور والعجب الموجب لسخط الله تعالى او على الاقل الشعور بالرضا بادائه وعمله وصفاته فيقع في حالة من الاسترخاء والبرود والكسل عن محاولة التقدّم والرقي في الصفات والعمل والمشكلة الاكبر حينما يبالغ ويغالي المداحون بوصف الشخص الممدوح بصفات لا يتصف بها وينسبون له اموراً لم يفعلها وقد ادى مثل هذا المدح والتملق من المتملقين للحكام والامراء واصحاب النفوذ الى غرور الحكام واعجابهم بانفسهم وتعظيمهم لها بحيث لا يقبلون الى نصيحة او موعظة او تنبيه لهم على خطأهم وزلاتهم..
ولكن المتقون لا ينساقون مع المدح والاطراء بل هم يخافون منه لما له من آثار على النفس سلبية ومنها ما ذكرناه فهم يعيشون حالة الخوف من المدح لانهم يعتقدون بان لهم صفات باطنية وافعال واعمال لم يطلع عليها أحد الا الله تعالى وبعض منها تعرفها انفسهم ومطلعة عليها.. لذلك فهم حين مدحهم يلتفتون الى انفسهم فيقولون : نحن اعلم بانفسنا من غيرنا ولنا بواطن واعمال لا يعلمها الا الله تعالى.
ولذلك لا يصح للمتقي ان ينساق وراء المدح من الاخرين ويصيبه حالة من النشوة والارتياح والرضا بالنفس لان ذلك قد يوقعه في العجب والغرور او على الاقل الرضا باعماله فيوقفه عن محاسبة النفس وشعورها بالتقصير.. بل يُشعر نفسه بالخوف من الله تعالى ومن ذنوبه ومعاصيه وعيوبه..
ولهذه النكتة ايضاً نهى الله سبحانه عن تزكية النفس فقال تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32) – سورة النجم- ، أي لا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير والطهارة من المعاصي والرذائل فانه يعلم بالمتقي وغيره منكم قبل ان يخرجكم من صلب آدم.
وفي مجمع البيان : أي لاتعظموها ولا تمدحوها بما ليس لها فاني اعلم بها.
وقيل : معناه لا تزكوها بما فيها من الخير ليكون أقرب الى النسك والخشوع وأبعد من الرياء هو اعلم بمن برّ واطاع واخلص العمل..
(فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَحَزْماً فِي لِينٍ وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ)
قال الشارع محمد تقي النقوي في (مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة):
فهذه ثلاث علامات والمراد بالقوة في الدين التصلّب فيه بمعنى عدم التزلزل والاضطراب في قلبه فلا يؤثر فيه تشكيك المشككين ولا ينخدع بخداع الناس وحيث ان المؤمن الحقيقي وصل الى مقام اليقين فهو ثابت راسخ.
فالمتقي تراه ثابتاً في دينه قوياً يقاوم وساوس الشيطان من الجن والانس لا يؤثر فيه تشكيك المشكك ولا ينخدع بخداع المنحرفين وليس بامكان خطوب الدنيا وابتلاءاتها ومصاعبها زعزعة ايمانهم..
(وَحَزْماً فِي لِينٍ) أي انهم يتصفون بالحزم في امورهم الدينية والدنيوية فلا يترددون ولا يضعفون في مواقفهم وارائهم وتوجيهاتهم واوامرهم بعد التثبت منها ولكن لا يكون حزمهم على نحو يؤدي الى احتقار وتصغير الاخرين بل يصاحب حزمهم الليونة والمرونة وحسن الخلق ويعاملون من يرافقهم او يأتمرون باوامرهم في تحقيق الاهداف الاجتماعية وغيرها بالرفق والمحبة..
(وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ) فان الايمان اذا لم يكن في قلب متصف باليقين يكون متزلزلا ً مستودعاً في القلب لا ثابتاً مستقراً وبالتالي فلابد للوصول الى درجة المتقين من تحصيل الايمان المستقر في القلب غير المتزلزل ويتوقف هذا على مجموعة من المقومات منها التوكل على الله تعالى والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض الى الله تعالى وهذه الصفات وردت في بيان معنى اليقين كما في بعض الاحاديث ويمكن تحصيل اليقين من خلال التأمل في آيات الخلق والصنع الالهي وفي صفاته تعالى ومن خلال الادلة العقلية والنقلية والتأمل في مخلوقات الله تعالى العجيبة ونظامه المحكم والمتقن..
وقوله (عليه السلام) : (وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَقَصْداً فِي غِنًى وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ)
يعني ان المتقين حريص في تعلم العلوم الربانية من اهلها والحرص بهذا المعنى ممدوح واما المذموم منه فهو الحرص على تحصيل المال والشهرة والجاه والرئاسة والمناصب وغيرها والجامع الحرص على الدنيا وما فيها لها واما الحرص على وصول الى ما ينفعه في الاخرة فلا ذم فيه اصلا ً .. وبتعبير آخر فانه رغم ان مفردة الحرص تحمل الجانب السلبي عادة لكنها هنا تشير الى انهم بمنتهى الجدية في كسب العلم وذلك لأنه لا عبادة ولا تقوى بدون علم..
غرفة الأخبار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق