القيم الاجتماعية كما تعكسها ثورة كربلاء

صدر عن مركز الأبحاث العقائدية ضمن (سلسلة الرحلة إلى الثقلين رقم 43) كتاب (القيم الاجتماعية كما تعكسها ثورة كربلاء) وهو دراسة تحليلية لقيم الإمام الحسين (عليه السلام) وقيم السلطة الاموية، وهذا الكتاب من تأليف المستبصر المصري محمد أحمد إبراهيم، الحاصل على شهادة دبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة سنة 2008م، وله بحوث ومقالات خاصة ببعض المشاكل الاجتماعية في المجتمع المصري كالبطالة والطلاق والتفكك الاجتماعي، استبصر سنة 2006م بعد ثلاث سنوات من البحث والتحقيق العلمي في المذاهب الإسلامية.

كتب مدير مركز الأبحاث العقائدية سماحة الشيخ محمّد الحسون مقدّمة مختصرة لهذا الكتاب جاء فيها:

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالّة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة. وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل، نلحظ أنّ المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة، كيف لا وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليها السلام بأبهى صورها وأجلى مصاديقها. هذا، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني مدّ ظلّه هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.

ويذكر ان مركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتعاليمه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على مختلف الجهات، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار - حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم - إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.

وهذا المؤلَّف «القيم الاجتماعية كما تعكسها ثورة كربلاء» الذي يصدر ضمن «سلسلة الرحلة إلى الثقلين» مصداق حيّ وأثر عملي بارز يؤكّد صحّة هذا المدّعى.

على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في «موسوعة من حياة المستبصرين» التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن، والباقي تحت الطبع وقيد المراجعة والتأليف، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته.

ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية، ونخصّ بالذكر الأخ الكريم سماحة السيّد علي الرضوي، الذي قام بمراجعته وتصحيحه، فلله درّهم وعليه أجرهم.

وكتب المؤلّف مقدمة لكتابه هذا مبيناً سبب تأليفه ومنهجه فيه اذ قال:

« إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين»

هكذا تكلّم الإمام الحسين (عليه السلام) ... وهذه الكلمات تعني أشياء كثيرة لها من الدلالات والرموز ما يجعل الباحث يحفر في هذه الكلمات لتصوير حالة المجتمع السياسية والاجتماعية التي تحدثّ عنها الإمام الحسين (عليه السلام) . فحالة المجتمع القابع أو الخاضع لتأثير السلطة الأموية ليست بأحسن حالاً وقد انتشر الظلم واستشرى في المجتمع وعمّ الفساد، وأصبح شراء الذمم والنفوس من الأمور المعتاد عليها، وقد عمدت السلطة الأموية إلى شراء حقّ شرعيّتها السياسية بأيّ ثمن أو وسيلة حتّى ولو كان هذا من خلال القمع والقتل والإرهاب والتجويع.

وكان غياب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في المجتمع، يعني حضور الإرهاب والاستبداد وكلّ مساوئ المجتمع، وهو الأمر الذي حاربه الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته ضدّ السلطة الأموية، فإن كان هناك فئات من المجتمع قد استفادت من وجود السلطة الأموية في الحكم، والبعض الآخر من الأغلبية الصامتة والتي تعرضت للقمع والتعذيب لم تجرؤ على معارضة هذه السلطة إلا همساً، وكلاهما ساهم بشكل أو بآخر في توطيد وتثبيت أركان الدولة الأموية المستبِّدة.

هذا الواقع الرثّ هو الذي وضع الإمام الحسين (عليه السلام) وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي ورسالته الثورية؛ لذلك كانت ثورة كربلاء التي قادها هو والنخبة من آل بيته من أجل الجماهير التي استعبدتها السلطة الأموية ومن أجل المضطهدين والفقراء، وكان من المفترض أن تثور الأغلبية المطحونة كما ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ، ولكن يبدو أنّ الهزيمة النفسية التي أصابت أغلبية المجتمع والخوف والرهبة من بطش السلطة الأموية حال دون ذلك. وهذا الأمر لم يغيب عن بال الإمام الحسين (عليه السلام) فقد علم مسبقاً أنّ الأمّة سوف تخذله، ورغم ذلك مضى الإمام الحسين عليه السلام في سبيل ثورته، ومن أجل التغيير الاجتماعي المنشود. والتي دافعت عن قيم الحرّيّة وإعلاء قيمة السلام والحوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الوقت نفسه حاربت قيم الاستبداد الأموي وكشفت زيفها، وحاولت تقويض دعائمها القائمة على الظلم والاضطهاد والكراهية والعبودية.

وإن كانت القيم الاجتماعية السائدة في مجتمع ما تمثّل تصويراً للأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتساهم في الوقت ذاته في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي لأفراد المجتمع، حيث تكون الأوضاع السياسية والاجتماعية باعثاً لإحداث الثورة أو لعملية التغيير الاجتماعي نتيجة لجمود وتردّي حالة المجتمع، ومن ثم يكون هناك ضرورة اجتماعية لتغيير جمود هذا الواقع من خلال القيم التي تعمل على مناهضة الأوضاع الجائرة والسلبية في المجتمع.

ومن هنا تنشأ العلاقة بين الثورة والقيم الاجتماعية، وهي علاقة جدلية حيث تنطوي كل ثورة على قيم معيّنة تحاول أن تنشرها في المجتمع في بداية الثورة، والعمل بعد ذلك على تطبيقها في برنامجها السياسي والاجتماعي، كما أنّه في الوقت ذاته تصبح القيم بمثابة ثورة على الأوضاع السلبية في المجتمع ؛ حيث تعمل هذه القيم على تغيير الواقع السلبي المغترب، ومحاربة القيم السلبية التي أدّت بالمجتمع إلى الجمود والتخلّف.

وعلى هذا الأساس لا يمكن فهم ودراسة القيم والأخلاقيات خارج الثورات الاجتماعية، كما لا يمكن فهم الثورات خارج القيم التي تحملها للمجتمع، والقيم ليست مجرّد شعارات أو كلمات هوجاء ؛ إذ لا يوجد لها حضور أو وجود إلّا من خلال الالتزام بها والتطبيق الفعلي لها قولاً وفعلاً وسلوكاً في كافّة الأحوال والظروف الاجتماعية ؛ فإن لم تكن كذلك أصبحت تمثّل كلمات خاوية لا تسمن ولا تغني من جوع.

وإن كان البعض يؤكّد على أن القيم هي اختيار بين بدائل الأفعال والسلوكيات في المواقف الاجتماعية المختلفة، أي أنّ القيم هي التي تحدّد لنا نوع السلوك والفعل المرغوب فيه في موقف معيّن. وهو ما تمثّل في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) حيث استند في ثورته ضدّ السلطة الأموية على قيمة مركزية ألا وهي قيمة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » حيث كانت هذه القيمة هي الموجِّه والمرشد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء ؛ حيث وجد نفسه في موقف اجتماعي يحتم عليه أن يختار إمّا أن يساير السلطة الأموية في ظلمها واستبدادها وعدم شرعيتها السياسية، ويتقبل الأمر الواقع، ويسكت عن الفساد والقمع الذي ساد المجتمع، وانعكس بطبيعة الحال على الناس، أو أن يرفض الظلم والاستبداد الواقع على الناس.

 فاختار الإمام الحسين (عليه السلام) أن يتمسّك بقيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليجسّد قيم الحرّيّة والعدالة في أرقى صورها.

وقد جاءت هذه الدراسة بقصد التعرّف على بعض القيم الاجتماعية عند الإمام الحسين (عليه السلام) ، وكذلك عند السلطة الأموية التي مثّلت رأس النظام السياسي، ومحاولة الكشف عن طبيعة السلطة الأموية وممارساتها الاجتماعية خاصّة ضدّ المعارضين لسياساتها، وبالتالي إماطة اللثام عن بعض الحقائق التي حاول أن يخفيها بعض المستفيدين والانتهازيين.

وقد قسّمت الدراسة الراهنة إلى أربعة فصول رئيسية جاءت على الشكل التالي:

جاء الفصل الأوّل بعنوان «الإطار المنهجي للدراسة» حيث عرض الباحث لمشكلة الدراسة وأهميّتها وأهدافها وتساؤلاتها، وكذلك تعرّض الباحث في هذا الفصل للمنهج الذي استخدمه في الدراسة، وكذلك أدوات جمع البيانات، ومجتمع البحث والعينة، وأخيراً تعرّض الباحث لأهمّ المفاهيم التي استخدمت في الدراسة.

وقد جاء الفصل الثاني بعنوان «الإطار النظري للدراسة»، وفية استعرض الباحث بعض النظريات الاجتماعية المفسّرة للقيم ؛ حيث تعرّض الباحث للنظرية البنائية الوظيفية والنظرية الماركسية، ونظرية الصراع، وكذلك تعرّض الباحث للاتجاه الفينومينولوجي. وجميعها نظريات ساهمت في التعرّف على طبيعة القيم، وأهمّ العمليات المتضمّنة لها. وقد اختتم هذا الفصل بعرض مدخل نظري تصوري تبناه الباحث في دراسته.

هذا وقد جاء الفصل الثالث المعنون: بـ «الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع بعد وفاة الرسول» حيث تعرّض الباحث في هذا الفصل لبعض صور الواقع الاجتماعي، والتي تمثّلت في مؤتمر السقيفة، ونتائجه وبعض الأحداث التي عايشت دولة الخلافة الأولى والثانية، وممارسات الخليفة الثالث: «عثمان بن عفّان»، والتي كان لها أثراً بالغاً في إحداث الفتنة، كما تناول الباحث دور الأحزاب السياسية التي كان لها تأثير ملموس على سير الأحداث في داخل المجتمع، ودورها في الاضطرابات السياسية وقيام الحروب الأهلية، حيث تعرّض الباحث لحزب الناكثين، وحزب الفئة الباغية، وكذلك لحزب المحايدين، وأخيراً تعرّض الباحث لتحليل سوسيولوجي لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) للوقوف على أهمّ أسباب الثورة وتداعياتها.

أمّا الفصل الرابع فقد جاء بعنوان «القيم الاجتماعية عند الإمام الحسين (عليه السلام) وعند السلطة الأموية». حيث تعرّض الباحث لأهمّ القيم التي دافع عنها كلا الطرفين من أجل تبرير مواقفهما السياسية والاجتماعية.

وقد اختتم الباحث هذه الدراسة بعرض لأهمّ النتائج التي كشفت عنها الدراسة الميدانية .

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات