مما لاشك فيه أن حلم كل أنثى أن تكون أم في يوم من الأيام . فغريزة الأمومة تتفجر مبكرا وتأخذ شكل يتمايز مع الظروف النفسية , والبيئة الاجتماعية , والطبيعة التكوينية لكل أنثى . وغالبا أول هاجس يبدأ يأخذ حيز واسع من تفكير المرأة بعد الزواج هو تحقيق حلم الأمومة . وبعد أن يتحقق هذا الحلم ويصبح واقع ملموس تدخل الأم في دوامة من الذهول مشوبة  بالتعب والمتعة فكل شيء سيكون قيد الاكتشاف لذلك العالم المليء بالعطاء لدرجة الإعياء . والمسؤولية التي تصيرها إنسانة يقظة حتى في نومها . ولذا تدخل الأم في هذه الفترة بحالة نفسية يطلق عليها كآبة ما بعد الولادة .

معظم الأمهات يعانين من تداعيات هذه الفترة ولا نستطيع الجزم بأن جميعهن يخضن هذه التجربة بالمعاناة ذاتها وهذا يعود لاختلاف الوضع الأسري والصحي والنفسي لكل أم . ولكن يمكننا القول بأن غالبية الأمهات يتعرضن لضغط نفسي كبير خلال المدة الزمنية التي تعقب الولادة لتدوم فترة تتراوح بين الشهر والثلاثة شهور وقد تدوم أطول في حالات معينة .

تراود الأم هذه الحالة لأسباب عديدة ومنها شعورها بالألم الكبير أثناء الولادة الذي يدوم أحيانا لفترة ما بعد الولادة خصوصا للنساء اللواتي يتعرضن لتدخل جراحي لإتمام عملية الولادة , ومن الأسباب التي تسبب هذه الحالة أيضا هي قلة النوم  فكثرة السهر والنوم المتقطع له تأثيرات سلبية على الصحة العامة عموما , القلق والهواجس حول صحة الطفل ونموه والأهم سلامته التي تشعر بأنها المسؤولة الوحيدة عنها وبمعنى آخر المحاسبة عليها في حال حدوث أي مكروه للطفل هي من الأسباب الرئيسية لحالة الحزن التي تتمكن من الأم وتجعلها أسيرة البكاء أحيانا والتذمر وتدفعها للتفكير بكل ما هو سلبي ولذلك تبدأ بالقسوة على ذاتها وتستسلم لهواجسها وتنحني أمام تزاحم تلك الأفكار دون أن تحرك ساكنا . وقد يتخلل هذه الأسباب أسباب أخرى تتعلق بالجانب الجمالي للمرأة فبعض النساء تسيطر عليهن فكرة بأنهن فقدن جزء من جمالهن بسبب اكتسابهن للوزن الزائد و انزعاجهن من تأخر عودة البطن المسطحة والجسم الرشيق كما في فترة ما قبل الحمل ,  والرضاعة أيضا تسبب في بعض الحالات تداعيات صحية كضعف عام أو تساقط الشعر وتكسر الأظافر وألم في الأسنان بسبب قلة نسبة الكالسيوم في جسم الأم التي تفقدها أثناء الرضاعة وفي حالات معينة ترتبط هذه الأسباب بتأزم الوضع النفسي للأم .

هناك مجموعة من الحلول المقترحة لتجنب حالة الكآبة أو السيطرة عليها دون الاضطرار لاستخدام العقاقير أو المهدئات . فعلماء النفس يعللون السبب الرئيسي لهذه الحالة بأنها أحدى أنواع الصدمات النفسية التي علاجها لابد أن يكون بهدوء وبحكمة لتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر ودون أن تسبب مشاكل أسرية أو تؤدي إلى تفاقمها والسيطرة عليها بأقصر وقت ممكن .

ومن جملة هذه الحلول هو أن يستوعب الشريك سبب هذه الحالة وأن يقدر حجم المعاناة والألم الذي تعرضت له الزوجة في فترة الحمل وأثناء الولادة وحاجتها الماسة لوقوفه بجانبها ومساعدتها في أبسط تفاصيل الاهتمام بالمولود وهذا لا يعني أنها عاجزة عن أداء دور الأمومة كما ينبغي بل لحاجتها للشعور بالحب والعطف ورغبتها الملحة بأن تحظى باهتمام كل من حولها وبأنها ليست المكلفة الوحيدة بالاهتمام بهذا الكائن المتطلب على مدار الوقت ومع أن متعة التعامل مع الطفل لا تنكرها أي أم ولكن تحتاج الأم لشخص يساندها ويشعرها بتقدير دورها وما تقدمه وأنها مدعاة فخر وتميز .

وعلى الأم أن تهتم بتغذيتها بعد الولادة وتتناول مجموعة الأغذية التي تمدها بالطاقة الكافية لتوفر حاجة جسمها للفيتامينات والمعادن التي تبدأ بالانخفاض عن معدلاتها الطبيعية بسبب الإرضاع .

أن تحاول أن تهيأ لها برنامج يومي تحدد فيه جزء منه للاهتمام بنفسها ومظهرها وتمارس فيه بعض النشاطات كالرياضة ومطالعة الكتب أو الاسترخاء .

ولابد أن تحاول تعويض ساعات السهر بأن تعتمد إغفاءات قصيرة أثناء النهار في فترة نوم طفلها أو في حال وجود احد يمكنه الاهتمام به أثناء إغفاءتها .

والأهم من كل ذلك أن تعي الأم بأن شعور الإحباط والقلق المستمر وحالة الحزن الطارئة ستفقدها خصوصية أجمل فترة في حياة الأم وهي الاستمتاع بنمو الطفل والتناغم مع كل لحظة تتعامل فيها مع إنجازها للحياة بهيأة طفل .

 

إيمان كاظم الحجيمي