استوقفني أحد المشاهد التلفزيونية ذات يوم والذي كان يعرض بصفة مادة اعلانية تربوية موجهة لبناء الأسرة, وباختصار شديد كان المشهد عبارة عن عائلة تجتمع في أحدى غرف المنزل وكان الأب يجلس لاهيا عن صوت الأذان وحرمته كونه يتصفح هاتفه الذكي (في تدمير العقول المغيبة) بصوت صاخب ووسط ذهول عائلته من تصرفه وربما استنكارهم الصامت الذي قادني لسؤال لا يمكن الرد عليه دون اعتبار وعبرة , وهو إن أخطأ القدوة فهل يحاسب ابناءه فيما بعد لخطأ التصق في مخيلتهم لحظة نسخهم منه لذلك التصرف؟!!

الجواب دائما يأتي موجع ومخيب للآمال , حيث إن كل تصرف سلبي يصدر من قدوة الأسرة له تداعيات حتمية على بقية افراد الأسرة, فالدور البنائي للرمز الذي من المفترض أن يكون على قدر كافٍ من المسؤولية وتقدير للأمور بشكل حكيم لا بد من أن يأخذ مجراه نحو تكامل أسرته دون أن يؤسس جهلا لمفاهيم وسلوكيات خاطئة.

ولذلك فأن السلوكيات التي تصدر من قدوة البيت سواء من الأب أو الأم أو حتى الأخ الأكبر تمثل سلسلة من الانعكاسات التربوية المؤثرة على بقية الأفراد وقد لا تظهر هذه الانعكاسات بصورة استجابة سريعة بل تأخذ حيز من الوقت لتعود وتتكرر في مواقف أخرى غالبا يتم الاعتراض عليها  من قبل الأب والأم ولكن هنا السؤال يعود ليطرح نفسه بصيغة أكثر تهكمية وهي كيف تلغي الصورة التي رسختها في ذهن أحدهم وتطالبه بتصدير صورة معتدلة لصورتك المقلوبة؟!

ومن هنا فأن حياتنا المعاصرة تتعقد بشكل كبير وتسير بنا نحو هوة سحيقة من الافتراض والتغييب وللأسف أن ضحايا هذا الانحسار التربوي لا يشمل جيل الشباب فقط بل بات له تأثيرات على الأجيال الواعية وهو ما ينبأ بكارثة حقيقية فالقدوة حينما يخطأ يؤسس لجيل يرى الخطأ صوابا  وأن تم تصحيح الخطأ بتوجيه ممن اخطأ قبل ذلك في تصرف مماثل لموقف ما؛ فعند ذلك الوقت تظهر مشاكل أكثر تعقيدا بحكم تزمت جيل الشباب بأفكارهم التي يظنون جهلا إنها عين الصواب.

إيمان كاظم الحجيمي