مما لا يخفى على أحد ان الإسلام حدد سناً لفرض التكاليف على الأولاد ذكوراً وأناث والبنت يبدأ تكليفها بالفرائض بعد اكمال تسع سنوات والذكر بعد اكمال خمسة عشر عاماً.. تُرى لماذا هذا التفاوت في سن التكليف والذي وجد فيه أعداء الإسلام حجة للنيل من الإسلام وفتح باب لتشكيك المسلمين في دينهم وعقيدتهم ؟. فالإسلام ينظر إلى البنت على انها أم المستقبل وهي صانعة الجيل الجديد وهي المدرسة التي يتربى في أحضانها أبناء المجتمع ولهذا وجه الاهتمام إلى هذه المدرسة وهي في طور الإنشاء والبناء.. لقد اراد الشارع بهذا التقديم في سن التكليف ان يحصّن الفتاة ويهيئها لحفظ جسمها ونفسها وفهم طريقها ومسؤوليتها مبكراً. يقول العالم الفرنسي بياجيه: ان البنت بعد سن العاشرة تتعرض لأزمات عديدة وهذه الازمات تؤثر على نفسية الفتاة وتترك بصماتها على مدى العمر ولهذا فمن الأفضل التهيؤ قبل هذا السن لتدريب الفتاة على تجاوز هذه الازمات النفسية والجسمية والتهيؤ لها.. ولو تأملنا حياة الكثيرات لوجدنا ان سبب انحرافهن أو ضياعهن يعود إلى أخطاء بسيطة حدثت في سن المراهقة (الذي هو الثورة النفسية والجسمية العظمى لكلا الجنسين) والتي يعود سببها الى عدم الاستعداد والتهيؤ لهذه المرحلة.. ومما لا شك فيه ان المراهقة والبلوغ يبدأان مبكرين عند البنت وأسرع من الولد وفي كثير من دول العالم وبسبب الظروف المناخية والوراثية والبيئية تصل الفتاة إلى سن البلوغ في التاسعة أو العاشرة. وقد رصد الأطباء كثيراً من حالات الحمل في هذه السن .. أي ان كثيراً من الفتيات اصبحن أمهات وهن في سن العاشرة وان كان هؤلاء الأطباء أنفسهم لا يشجعون على حمل الفتاة في هذه السن لعدم تكامل نمو العظام والعضلات وقد يؤدي إلى الحمل المبكر الى الاسقاط مما يترك اثراً نفسياً وجسمياً على البنت. وقد يرى البعض ان فرض التكاليف على البنت في هذه المرحلة هو نوع من الغُبن لها بسبب صغرها وهي التي ستتسلم اعباء البيت الزوجي قبل ان يصل الولد الذكر إلى سن البلوغ، يقول الشيخ جوادي آملي في كتابه »جمال المرأة وجلالها«: »ان الله استقبل المرأة ست سنوات قبل الرجل اليس هذا دلالة على افضلية المرأة؟ وان الدين يقول بصراحة للذكر اذهب والعب ست سنوات ولكنه يستقبل الانثى، كما يقال للأطفال في مجمع علمي اذهبوا والعبوا فهنا ليس مكانكم ولكنه يسمح للكبار بالدخول!!« ويقول أيضاً في نفس الكتاب: »ان البلوغ شرف والمرأة تصل إلى هذا الشرف قبل الرجل ولو نفذت التكاليف الإلهية فان المرأة تقطع قسماً كبيراً من الطريق قبل ان يدخل الرجل الطريق ويسير في الصراط المستقيم«. ونرى ان الكثير من الآباء والأمهات يبدون التذمر والاستياء حينما تتكلف بناتهم ويصبح من الواجب عليهن أداء العبادات كالصوم والصلاة وارتداء الحجاب وهم يتذمرون أكثرحينمايقولون ان العبادات والفروض لا تتناسب وقابلية البنت على أدائها.. وهذا تحطيم للبناء العقيدي للبنت نفسها خاصة إذا ما ذكر هذا الأمر أمامها.. فهو يؤدي إلى خلق حالة من التردد ازاء أداء هذه التكاليف وقديؤدى في المستقبل إلى اللامبالاة أو إلى الكسل مع التردد في أداء الفرائض الواجبة في حين اننا بحاجة إلى غرس الاعتزاز بالدين والفرائض في نفوس الأولاد كي ينشأوا على حب العقيدة .. ان الفرائص الإلهية لها اثر كبير على البناء النفسي للبنت .. فهي تمنح البنت أرضية الاستقامة والثبات ومقاومة حالات الضياع والانحراف والجنوح والتمرد. ولو لاحظنا كثيراً من الأسر التي لا تولي البنت اهتماماً مبكراً قبل سن التاسعة لوجدنا انها ستعجز مستقبلاً في تدارك ما فات فلا بد من العناية بجذور الشجرة كي تنمو عالياً وتقف بشموخ وصلابة ازاء الرياح والعواصف، منذ ان تبذر بذرتها. وهناك أمر يغفل عنه الكثيرون، وهوان الله أعلم بما ينفع لعباده وهو أرأف بهم بل هو ارحم الراحمين. وفي الحديث عن النبي)ص)قال: ان الله تبارك وتعالى ارأف على الأناث منه على الذكور .. فقد نرى الصوم شاقاً على البنت في هذه السن ولكنه يربّيها على التحمّل ويقوّي عندها الإرادة ويزرع أرضية الصبر أمام المغريات وهذه أمور تحتاجها الفتاة ربما في سن الرابعة عشرة أو السادسة عشرة ولا يمكن ان تزرع في يوم وليلة بل هي بحاجة إلى متابعة والى عناية كالبذرة تماماً. وقد تتعرض البنت الى السخرية من قبل الآخرين حينما تتحجب وترتدي الزي الإسلامي خاصة اذا كانت تقيم في دولة غير اسلامية.. ترى كيف تحافظ البنت على حجابها وهي فاقدة للإرادة؟ غير واعية لهذه الفريضة الإلهية؟ ولهذا فالمطلوب من الآباء والأمهات ان يسعون إلى تشويق البنت إلى المسائل الدينية قبل سن التكليف فمثلاً تشتري الأم لها اغطية جميلة للرأس بالوان زاهية مما يشوّق الفتاة إلى ارتدائها وتتغاضى في البدء عن خطئها مثلاً في بعض الأحكام وتحاول توجيهها نحو الاحسن باستعمال الأسلوب غير المباشر في التوجيه والنصح .. ومن الخطأ التشدّد على البنت أو محاصرتها في دائرة التكاليف فهذا الأمر يمهّد لتمرّدها مستقبلاً على الأهل والأسرة والعقيدة أيضاً. وكثيراً من حالات الانفلات التي تحدث بعد سن العاشرة يعود سببها بالدرجة الأولى إلى عدم وجود العلاقة الصحيحة بين البنت والابوين وخاصة الأم وبالتالي تزرع هذه الحالة الكثير من العقد النفسية والتساؤلات التي تجرّ إلى الكثير من السلبيات أقلها الجنوح والتمرّد. ان اهتمام الام بسن التكليف بهذا الأمر له أثر في فتح قنوات الحب والحنان بين الاثنين، فالبنت تشعر بالحنان أكثر لكونها اصبحت موضع عناية الأم وهذا ما يجعلها تلجأ إليها كحصن حصين في حالات الطوارئ .. كما انه يمنح الاجابة للبنت على اسئلتها.. لماذا نرتدي الحجاب؟ ولماذا نصلي؟ وإذا كانت هذه القنوات مغلقة فهنا تبدأ البنت بالبحث عن وسيلة أخرى للحصول على الجواب الشافي وقد تأخذه ممن يعادي الدين ويجد في هذه الفتاة الضائعة وسيلة سهلة للافتراس، ولهذا تجد الأم نفسها أمام مسؤولية كبرى حينما تقترب البنت من سن التكليف وأداء الفرائض الإلهية .. ولا بد لها من الانتباه والاهتمام وتفقّد أحوال ابنتها وعدم اللجوء إلى الضغط أو الشدة أو السخرية منها .. ومن الخطأ الفاحش مقايستها مع الاخريات فهذا يفقد الفتاة الإحساس بالحب والاحترام من أسرتها وبالتالي تتفسخ الجسور الرابطة, إذاً على الأم ان تفهم ابنتها أولاً معنى التكليف الشرعي وبأن هذا الأمر لا يستثنى منه أحد وان كان هناك فارق بينها وبين الذكر فذاك لعلو شأنها واستقبال الله لها وانها بدخولها هذا السن فقد دخلت في مرحلة الرشد والتدرّج نحو مرحلة الشباب. موقف المجتمع من مرحلة التكليف: تُرى ما هو موقف المجتمع ازاء مرحلة التكاليف هذه؟ مما لا يخفى على أحد أن المجتمع هو المحطة الثانية التي تقوّم أو تهدم البناء الإنساني.. والمجتمع الذي يحجب الناشئة الجدد عن المشاركة في أموره وشؤونه وابداء الرأي في الأمور العامة بحجة انهم ما زالوا صغاراً فهو يردّهم على اعقابهم خائبين ويجعلهم مُذبذبين لا يدرون من هم وأين هم والى اين يسيرون.. فلا بد إذاً من فتح الأبواب لهؤلاء كي يشعروا انهم حقاً وصلوا إلى سن الرشد بدلالة دخولهم مع الراشدين في نشاطاتهم العامة فلا بأس من اشراك الفتيات في هذه السن في النشاطات الاجتماعية وتشجيعهن على التجاوب مع شؤون العقيدة كحفظ وقراءة القرآن الكريم وإقامة المسابقات والندوات التي تتدارس مشاكل هؤلاء والانفتاح معهن في القضايا الخاصة والعامة وبذلك تستطيع الفتاة ان تقف على أرضية صلبة ولا تعيش التردد القاتل في شؤون الدين.. ولا ننس ان القيام بالزيارات وتقوية العلاقات مع الفتيات وأهلهن في هذا السن له اثره البالغ في اقصاء صديق السوء عن الدائرة الحياتية.وفيما ورد عن ابن طاووس فيما يتّصل ببلوغ ابنته ( شرف الأشراف) حينما وصلت الى سنّ التكليف؛ فهو يذكر أنه أحضرها قبل بلوغها بقليل، وشرح لها « ما احتَمله حالُها من تشريف الله جلّ جلاله لها بالإذن في خدمته جلّ جلاله بالكثير والقليل ». وهذا التنبيه والتعريف بلا ريب ممّا يترك أثره القويّ في نفوس الأبناء، وممّا يظلّ مقيماً في القلب لا يفارق. وكان هذا العالِم الموفَّق يُعنى بمسألة علاقة أبنائه وبناته في طفولتهم بالمصحف الشريف، فكان يهدي إليهم المصاحف الخطية النفيسة، أو يُوقفها عليهم وقفاً، أو يقلّد المصحف المبارك مَن كان منهم رضيعاً في المهد.)

كفاح الحداد