اطفال صغار يبحثون عن الأمان بين أكوام العنف ، وآخرون حملوا طفولتهم في جيدهم ، وغيرهم أكرهوا على حمل البنادق في مناطقهم الساخنة ، بعد أن فقدوا التعليم ، وافتقدوا الأمان واستقالوا من اللعب ، حيث يلازمهم العنف في كل مكان ؛ البيت ، الشارع ، المدرسة ...

ترى ... أين حقوقهم في التمتع بالحرية من دون تميز او عنصرية او طائفية ؟ أين حقهم في ان ينشئون في بيئة تحميهم وتؤمن طفولتهم التي غادرتهم منذ زمن .

فمعلوم جدا ، لدى القاصي والداني ، إن الحماية الناجحة تزيد من فرص الأطفال في النمو السليم والصحة الجسدية والعقلية ، وتجعلهم واثقين من انفسهم .

وكلما ابتعدنا عن العنف زادت لمجتمعنا فرص التطور والتقدم .

ان مسالة العنف طرحت كثيرا ولكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار كمسالة مهمة جدا فضلا عن عدم تسليط الضوء الكافي على تأثيراتها على نفسية الأطفال ومستقبله ، ففي ظل تزايد أعداد ضحايا الحرب منهم  ، حسب إحصائية أجريت في أمريكا وبلدان أوربية ، وجد أن في أمريكا لوحدها يوجد (2,000,000) طفل يعانون من أشكال متعددة من العنف والاضطهاد من قبل الكبار ، وحوالي (300) ألف طفل مفقود في دولة مالي الأفريقية ، حيث يتم بيع معظمهم كما تباع السلع التجارية .

وتشير الإحصائيات مختصة أن 80% من الأطفال الذين يتعرضون للمعاملة السيئة سيتصرفون مستقبلاً بشكل سيئ مع أطفالهم أيضاً.

أمميا ، فقد أقرت حقوق الطفل في الشرعة الدولية التي حملت اسم " اتفاقية حقوق الطفل " والتي حظيت بتوقيع جميع دول العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية .

اما عربيا ، فليس لأحد منا استطاعة الخوض في الإحصائيات انتهاك حقوق الطفل العربي لعدم توفر أرقام دقيقة بخصوصه سيما خصوصا بعدما هطول إمطار ما يسمى بـ " الربيع العربي "

وللعنف أشكال ضد الأطفال أسباب عدة كالعنف الأسري ، حيث ان النفسية المريضة لبعض أفراد الأسرة وبالخصوص الأب منها قد يعكس ما تعرض له في طفولته من اضطهاد وعنف ، ليعيدها بدوره على طفله ، معتقدا ان ذلك من التربية الصحيحة ليكون ذلك على شكل ضرب كعقوبة لفعل ما ، او اهانة ، او تأديب وترهيب ، فمثلا ترى بعض إفراد الأسرة يعنفون الطفل ممن لم يبلغ بعد الثلاث سنين ، كالصراخ في وجهه والصفع على خده بشدة ! لا لسبب سوى أنهم لعبوا بشيء ما في البيت او في مكان ما ، وهم ـــ الكبار ـــ يجهلون بأن أطفالهم ما زالوا دون مستوى إدراك ووعي ذلك وأن لهم الحق في ممارسة طفولتهم كما ينبغي من لعب ولهو ، فضلا عن فائدة ذلك بما يكسبهم المعلومة التي تجيب على فضولهم وحب الاستطلاع لديهم .

ويعرف العنف بأنه " أية إصابة جسمية او نفسية او عقلية تصيب الطفل كنتيجة لتصرف احد إفراد أسرته ، يلحق بذلك الرعاية غير الآمنة ، فالعنف يأتي في اغلب الأحيان من داخل الأسرة ، ومن السهل ان تعرف العنف الجسدي المتولد اسريا من أثاره على الطفل كالصفع او العض او حرق الجلد او الضرب المبرح ؛ سواء باليد أو باستخدام أداة معينة مثل المطرقة او العصي .

اما العنف النفسي كالشتم والسباب او الطرد أو الحبس في الحمام او سقيفة المنزل او المنع من الأشياء التي يحبها الطفل ، فضلا عن إجباره على النوم ؛ وما الى ذلك من تعذيب نفسي .

اما العنف المدرسي ، وباعتبار ان المدرسة هي البيت الثاني للطفل من حيث التربية والعناية قبل أن تكون تعليمية إلا أن بعض المعلمين يتعاملون مع الأطفال بقسوة وعنف من خلال توبيخهم وضربهم وطردهم من الصف إمام زملائهم مما يزرع الحقد في قلب الطفل على المادة والمدرس .

وكثيرا ما نرى في مجتمعنا العربي ؛ اطفال فقدوا أيديهم او عيونهم اثر ضرب او اعتداء من قبل الأهل او العصابات الإجرامية ، ناهيك عما يتعرضون له من اعتداءات جنسية .

ومن المؤسف ان الحقائق والأرقام الخاصة بظاهرة العنف ضد الأطفال في العالم كبيرة وكثيرة ، فوفقا لتقارير المنظمات الدولية والإنسانية المعنية بالطفولة ، يتعرض ملايين الأطفال في أنحاء متفرقة من العالم لإشكال كثيرة من العنف وسواء ما كان منه من جانب الآباء او الأمهات او المجموعات المسلحة ، وهذا ما يهدد الصحة الجسدية والنفسية للأطفال المعنفين .

وزبدة القول ، أن هكذا مشاكل أحوج ما تكون الى لفتة عملية وعلمية ممنهجة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ، بما يكافح ويحد من هذه الظاهرة ، والبداية تكون من خلال تنظيم دورات خاصة للتعريف بحقوق الطفل ، وخطر ممارسة العنف ضده ، فضلا عن تنمية روح الضمير المجتمعي من خلال ما تشكله الرقابة الاجتماعية بخصوص ذلك ، فعندما تشك إدارة المدرسة او الجيران ان ثمة طفلا ما يتعرض للاضطهاد ، فمن واجبها الاجتماعية ، فضلا عن الأخلاقي والشرعي ؛ إبلاغ الجهات المعنية بما يضمن إيداع الطفل المعنف في مكان أمين لضمان ممارسته طفولته دون عنف او اضطهاد او خوف وتوتر .

 مروة حسن الجبوري