اولاد الشهيد ..هم بقية الشهيد وذكراه العطرة وهم امانته التي اودعها في رقاب الامة.. واذا كان الشهداء نبراس الامة فان ابناءهم هم السراج المنير الذي يبقي هذا النبراس خالداً مدى الدهر وهم اللسان الناطق عن تضحيات ابائهم ومظلومياتهم ..من هنا فان رعاية هؤلاء اليتامى هي مسؤولية دينية حث عليها الشارع المقدس وهي مسؤولية وطنية لان آباءهم ضحوا من اجل الدين والوطن وهي مسؤولية اخلاقية وانسانية يحتمها الضمير الانساني فمن القبح عقلا ومنطقا اهمال هذه البراعم الغضة التي فتحت عينيها على دنيا اليتم والحرمان .

ولعل المشكلة الاولى التي تلقي بظلالها على حياة اسر الشهداء هو كيف يمكن ايصال النبأ الفجيع الى هؤلاء المتعلقين بإبائهم ؟وكيف نخبرهم بأنهم رحلوا وغابوا ولن يعودوا ابدا؟.. تبدو المسألة قاسية في الكثير من جوانبها اذ ان هذه القلوب الصغيرة الهشة والمتعلقة بمظاهر الحب والامان الصادقة اللاصقة بإبائهم قد لا تتقبل بسهولة ويسر الحدث المؤلم الذي يحكي عن انقطاع حبل المودة والمحبة.. فهذا الامر خطير وكبير بالنسبة لهم ..وهذا ما يجعل الكثير من الامهات يخفين المسالة الحقيقة في الاستشهاد مداراة لمشاعر الصغار ومن اجل حصرهم في ساحة امل ليس فيها بصيص نور!!.. وهذه مصيبة اخرى تضاف الى المصائب العديدة.. فتقول الامهات مثلا ان الاب مسافر او انه في المستشفى يعني انها (غيبة صغرى) وسيعود بعدها وسيخرج من المستشفى فيبقى الطفل في حالة انتظار متصل بسؤال يومي متكرر.. متى يعود؟... وهذه لن تكون اكثر من جرعة مسكنة  تفقد تأثيرها قريبا ..وحينما يعلم هؤلاء المتعلقون بإبائهم انهم لن يعودوا يصابون بالإحباط والاكتئاب وتتزلزل ثقتهم بأمهاتهم في الوقت الذي تكون فيه هذه الثقة من اهم عوامل دعم البناء الذاتي واعادة التأهيل لدى هذا الجيل الاحادي الابوين .. لذا فأن من الصواب ان يفهم الابناء ان اباءهم لن يعودوا الى هذه الحياة ابدا!! ..فهم سافروا الى الجنة ودخلوها ومن يدخلها لا يخرج منها.. هذا هو السبيل الامثل لجعل الابناء يتقبلون فكرة رحيل الاحبة ..فهم في البداية يصابون بحالة اشبه ما تكون بالصدمة حينما يرون الباكين والمتألمين ويحاولون تفسير الحدث وقد يشعرون بالإحباط والنكوص فلابد اذا من توفير الاليات المناسبة لجعلهم يتقبلون الحدث  ويعتبروه احد المضائق الصعبة التي عليهم ان يعبروها بسلام كما عبرها غيرهم من الاولاد ومن الانبياء كالرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي ولد يتيما وعاش يتيما .

ان الاولاد يتفاوتون في مسالة تقبل موت الاحبة وذلك يعود الى  عمرهم وقت الحادث فأولاد العاشرة اكثر تأثرا من اولاد الثالثة لكون الاخير قد لا يفهم اصلا معنى الموت ولا يعي بعد معنى الابوة الحقيقية .

وتلعب العلاقات الاجتماعية دورا كبيرا في تقليل حجم المعاناة فالأولاد المحاطين برعاية طيبة من الاعمام والاخوال والجدود يصلون الى حالة توافق مع المحيط بعد الصدمة بشكل اسرع واكثر امنا عكس اولئك الذين لا يجدون من يكفكف احزانهم وآلامهم وهم يبحثون عن الحب والاحتواء وقد لا يجدوه في اسرهم الممتدة فيبحثون عنه خارجا بعد ان القى الحرمان بظلاله السوداء على افئدتهم الهشة .

يضاف الى ذلك ان الوضع المادي للأسرة عامل اخر من عوامل التكيف مع الحدث فرحيل الاب المفاجئ يهدد حالة الشعور بالأمن الغذائي والاقتصادي فالذين يعيشون اوضاعا اقتصادية سيئة يشعرون بالمصيبة اكثر من اولئك الذين يتمتعون بظروف اقتصادية مناسبة .

كما تلعب الصورة التي تعاملت بها اسرة الفقيد (خاصة الام) مع الحدث الجلل اثرا في الوصول الى حالة التوافق الاجتماعي والنفسي فاللطم الزائد وشق الجيوب والندب الشديد الموجع بالكلمات القاسية كل ذلك يشعر الطفل بالإحباط ويعزز لديه الاحساس قتامة الحال وربما يجعل اليتيم يبحث عن السب في انتزاع امه من سوداوية الصورة  الامر والذي قد يؤدي به الى مسالك وعرة مستقبلا  ..لذا نوصي الامهات بضرورة اظهار الصبر والتصبر والرضا بقضاء الله وقدره .

انه من المهم ان نعزز ثقة هؤلاء اليتامى بإبائهم وبالطريق الذي سلكوه وبالهدف الذي ضحو من اجله .. فالآباء اختاروا طريق الحسين(عليه السلام) وطريق علي(عليه السلام) يوم نادى فزت ورب الكعبة.. لتقول الامهات ..كان ابوكم انسانا عظيما وبطلا شجاعا وكان رجلا صالحا والجنة لا تقبل الا الصالحين الشجعان.. وانه حي يرزق يتابعنا كمثل مسؤول كبير يتابع جمهوره خلف الستارة.. بذلك يخف الجرح شيئا فشيئا ويبدأ الاولاد بتقبل الحال ..

عن القطب الراوندي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إن خديجة لما توفيت جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ فجعل النبي لا يجيبها، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ ورسول الله لا يدري ما يقول، فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسيا امرأة فرعون ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام». (الخرائج والجرائح ج2 ص529 ح4، عنه بحار الأنوار، ج43، ص27).

انه اخبرها بالحقيقة المؤلمة لكن ضمن اطار جميل يفيض املا ويمسح الحزن فكل محب يتمنى ان يكون محبوبه في احسن حال وهم قد رحل والى احسن حال .

 

كفاح الحداد