شراعٌ لا يأبه بالريح


رافقت هذه السيدة خطوات الحق خطوة خطوة وسارت على النهج الذي رسمه لها دينها في اتباع أهله ومعاداة الباطل وأهله ولم تحد عن سُبُل الله القويمة في أشد الظروف فتمسكت بباب مدينة علم رسول الله واقتبست من هديه وارتشفت من نوره.
كانت من خيار نساء الشيعة وممن حضر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين مع أخيها عمرو ولها في صفين أشعار تحضّ فيها الرجال على الدفاع عن الحق وتشجعهم على قتال جبهة البغي والضلال وامتد بها العمر لتشهد تسلط معاوية على رقاب الناس وحكمه لهم بسلطة الجور والبغي والظلم فوقفت بوجهه في مجلسه غير آبهة ببطشه وجبروته كما وقفت بوجهه في صفين بتلك الشجاعة والصلابة.
وفدت أمّ البراء على معاوية فقال لها: كيف أنتِ يا بنت صفوان ؟.
قالت: بخير .
قال كيف حالك؟.
قالت: ضعفت بعد جلد، وكسلت بعد نشاط.
قال: شتان بينك اليوم وحين تقولين:
يا عمرو دونكَ صارماً ذا رونقٍ * عضباً المهزةِ ليس بالخوّارِ
أسرجْ جوادكَ مسرعاً ومشمّراً * للحربِ غير معرّدٍ لفرارِ
أجبِ الإمامَ ودبَّ تحت لوائهِ * وأغرِ العدوَ بصارمٍ بتّارِ
يا ليتني أصبحتُ ليسَ بعورةٍ * فأذبَّ عنه عساكرَ الفجّارِ
وكأن معاوية كان يريد منها أن تعتذر أو تطلب منه العفو على موقفها ذاك وقد أصبحت الدنيا له لكنه فوجئ بقولها: أجل قد كان ذلك وإني على بينة من ربي وهدى من أمري!!.
فقال لها فكيف قولك حين قتل ـ يعني أمير المؤمنين ـ ؟.
فقال بعض جلسائه: هي والله حين تقول:
يا للرجالِ لعظمِ هولِ مصيبةٍ * فدحتْ فليس مصابها بالهازلِ
الشمسُ كاسفةٌ لفقدِ إمامِنا * خيرُ الخلائقِ والإمامِ العادلِ
يا خيرَ من ركبَ المطيَّ ومن مشى * فوق الترابِ لمحتفٍ أو ناعلِ
حاشا النبي لقد هدّدَتَ قواءنا * فالحقُ أصبحَ خاضعاً للباطلِ
فقال معاوية: قاتلك الله يا بنت صفوان، ما تركت لقائل مقالاً! إنَّ حسان بن ثابت لا يحسن مثل هذا.
لم تأبه أم البراء لكلامه وتجاهلته ثم قامت فعثرت فقالت: تعس شانئ علي.
فتعجب معاوية من صلابتها وإيمانها وولائها لعلي، واستخفافها به وسبّها له في مجلسه.

 

محمد طاهر الصفار