إنها مشيئةُ الله أن تتألّق تكتم لتصبح نجمة في سماء الوحي وتنبض مع القلوب التي خفقت لنداء السماء فأذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا..., كان القمر يبحر عبر سماءٍ كحلية حالمة.. وكانت تكتم مستغرقة في سكينة الليل وهي تتعبّد لواهب الوجود والحياة...., راودها النعاس فأغفت قليلاً..... لم تعرف إن إغفاءتها هذه سترسم لها مستقبلها الجديد لتتبوأ مكانتها العظيمة التي اختارها الله لها فما أسرع أن فزَّت من نومها وهي دَهِشة من الكلمات التي سمعتها في حلمها من تلك السيدة وهي تقول لها: أهلاً بكِ يا بنيتي.....!

ظلت هذه الكلمات تتردد في أذنيها... أغمضت عينيها وكأنها لا تريد أن يفارق وجه تلك المرأة ذهنها ولا كلماتها إحساسها... فقد أولد هذا الحلم في نفسها طمأنينة لا مثيل لها.. كان وجه تلك السيدة يشعّ نوراً ... نور كأن السماء قد وهبت هذا الوجه خاصية عن باقي البشر... بقيت تكتم تتساءل مع نفسها طوال الليل عن أمر هذه المرأة الجليلة وتفكر في تفسير هذا الحلم الذي خفق له قلبها بشدة وأشغلها فلم تعرف تفسيراً له سوى أن أمراً عظيماً سيحدث لها ...

جاء يوم مسيرها من بلاد فارس وانطلقت القافلة تقطع الصحارى حاملة تكتم نحو الحلم.. نحو النور وهي لا تدري بأن الله قد اختارها لبشرى أمة الإسلام بأن تكون أمّا لإمام للعالمين...., أخذت تكتم تنظر إلى السماء فترى كأن عرسا نُصب لها.. ثم تنظر إلى الأرض فتراها قد اخضرت حينما لامست قدميها... , قطعت القافلة عدة أميال فإذا بها وهي جالسة تقول: هل سيبقى مستقبلي مجهولاً عليّ ... ومتى سأعرف إلى أين نسير ؟!

كانت متلهفة لمعرفة ما سيحمله لها الغد!  فما زالت تدور بمخيلتها تلك الرؤية وذلك النور الذي دعاها إلى السفر  مع الجواري.. ؛ وقفت القافلة ليكون محط رحالها في مدينة تنزل الجواري فيها واحدة تلو الأخرى يترقبن من يشتريهن, أما تكتم فقد كانت  تتأمّل في وجوه الحاضرين وقلبها يخفق ويضطرب لما سيؤول إليه مصيرها... كانت تتلفت وكأنها تبحث عن شخص رغم أنها لا تعرف أحداً في هذه المدينة...!

فجأة ظهر ماكانت تكتم ترجوه... اضطرب قلبها بشدة وهي تنظر إلى الحلم وهو يتحقق، رأت تلك السيدة وهي تتفحص في وجوه الجاريات، وها هي تقترب منها... ارتعش جسمها حينما التقت عينا السيدة بعينيها وكأنهما تقولان لها: إن الحلم أصبح حقيقة... كانت السيدة تبحث عن جارية لها لتساعدها في البيت ولم تتوقف عند إحداهن سوى عندها سألتها:

ــــ ما اسمك ؟

ــــ تكتم .

ــــ من ايِّ بلاد انتِ ؟.

ــــ من بلاد فارس ...

بعد حديث دار بينهما اشترتها السيدة فلم تجد هذه السيدة من تجاري تكتم في الجواري بعقلها ومنطقها وسمتها فلم تتردد بشرائها وأخذتها معها إلى البيت... وما إن دخلت بيت تلك السيدة حتى أحست بأنها تنتمي لهذا البيت رغم أنها تدخله لأول مرة... ولم تمض فترة طويلة عليها حتى تغير اسمها من تكتم إلى (نجمة) بعد أن أطلقت عليها السيدة هذا الإسم لجمالها وصفاتها النبيلة فلم يدخل هذا البيت من غيره من النساء من هي أفضل منها في عقلها ودينها واعظامها لمولاتها حتى إنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها اجلالاً لها... وجاء اليوم الذي بشرها الله به لتحتل مكانتها العظيمة ومنزلتها السامية عنده بسطوع نور الإمامة منها.

وجاءت البشرى

ـــ يا ولدي.. يا قرة عيني موسى.. إنّ جدك الرسول جاءني  في المنام ليبشرني.. فقد رأيتُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لي : يا حميدة هبي نجمة لابنكِ موسى فإنه سيلد  منها خير أهل الأرض.

هذا ما قالته السيدة حميدة أم الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام) والتي اشترت تكتم وسمتها نجمة لابنها (عليه السلام) واستطردت:

ـــ يا بُني: إن نجمة جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها.. ولست أشكُّ إنّ الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لكَ فأستوصِ خيراً بها..

تبسم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) فقد تحقق وعد الله الذي وعده له فقد جاءه خبر نجمة من جده رسول الله أيضاً فقال لأمه:

ـــ بينما انَا نائم إذ أتاني جدي وأبي ومعهما شقة حرير فنشراها فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية, فقال : يا موسى ليكونن من هذه الجارية خير أهل الأرض ثم أمرني إذا ولدته أنّ أسميه علياً.. وإن الله تعالى يظهر به العدل والرأفة, طوبى لمن صدقه, وويل لمن عاداه وجحده وعانده.

ولادة النور

ـــ سيدتي حميدة : أشعر بشيء في بطني اسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً  فيفزعني ذلك ويهولني فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً .

ـــ بنيتي لا تخافي... هذا الطفل هو البشرى .

وجاء يوم ولادة  النور في ليلةٍ مقمرةٍ... جاء المخاض نجمة وانجبت ولداً, ها هي تتحقق البشرى بنور الله في الأرض يخرج منها.. وضعته فوقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء.. يحرك شفتيه كأنه يتكلم؛ استقبل الأب ابنه بفرحٍ غامر وهمس في إذنهِ.. كان يلقنه العصمة ويرثه الإمامة.. أذّن في أذنه بالكلمات التي جاء بها جده وحوت سر الوجود وشهادة الإسلام : "الله أكبر  الله أكبر...  أشهد انْ لا إله إلا الله... وأشهد أنْ جدي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشهد أنْ علياً وليُّ الله"..

دعا الإمام الكاظم بماء الفرات فحنّكه ثم ردّه ثم ضمّ الطفل الصغير إلى صدره وتأمّل في وجهه الطاهر وقد رفرفت الملائكة حوله بوجوه فرحة مستبشرة فقال الإمام الكاظم لمن حوله من أهله: اسمه علي, فقد أوصى بتسميته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فهنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك, خذيه فإنه بقية الله في أرضه.

 

زينب حميد النصراوي