ولادة النور

تشهد السيدة حكيمة انبلاج نور الله في أرضه بولادة وليه القائم بالحق فتقول: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي فقال: يا عمّة، إجعلي إفطارك الليلةَ عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تبارك وتعالى سيظهِر في هذه الليلة الحجةَ في أرضه فقالت له: ومَن أُمُّه ؟ فقال لها: نرجس فقالتُ له: ما بها أثر!(أي ليس عليها أثر للحمل) فقال لها: هو ما أقول لكِ.

فجاءتُ السيدة حكيمة، واستقبلتها نرجس وجلستُ تنزع عنها نعليها كرامة لها فقالت لها السيدة حكيمة: بل أنت سيدتي وسيّدة أهلي فأنكرتْ نرجس قولها وقالت: ما هذا يا عمّة ؟! فقالت: إنّ الله تعالى سيهبُ لكِ في ليلتكِ هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.
وأفطرت السيدة حكيمة في بيت الإمام بعد صلاة العشاء واضطجعت قليلاً ثم قامت لتقطع بقية الليل بالصلاة وقراءة القرآن ثم جلست تقرأ التعقيبات بعد الصلاة ونرجس نائمة ليس عليها شيء ثم قامت نرجس فصلّت ونامت.
وخرجت السيدة حكيمة تتفقّد الفجر، فتطالعها بواكيره الأولى ونرجس نائمة، وإذا بها تسمع صوتاً من ورائها: لا تعجلي يا عمّة، فالأمر قد قرُب. كان صوت ابن أخيها الإمام العسكري فاطمأنت روحها وجلست فقرأت: (ألم السجدة) ثم بدأت بقراءة (يس) وما كادت أن تكملها حتى انتبهت نرجس فزعة، فوثبتُ إليها السيدة حكيمة وما هي إلا فترة قليلة حتى كشفت الثوب عنه، فإذا به ساجد يتلقى الأرض بمساجده، فضمته إليها وإذا به نظيف، فصاح أبو محمد الحسن: هلمّي إليّ بابني يا عمّة.. فجاءته به.
زاد الله من شرفك وأعلى من منزلتك أيتها السيدة الطاهرة وقد اختارك لحضور ولادة منقذ البشرية وتولي شؤون الولادة وأول من ينظر إلى وجهه المبارك والتزود منه حيث يروي الشيخ المفيد في (الإرشاد) والكليني في (الكافي) والطوسي في (الغيبة) وابن شهرآشوب في (المناقب) وغيرهم: (إن السيدة حكيمة بنت محمّد بن علي الجواد عليه السّلام ـ وهي عمّة الحسن العسكريّ عليه السّلام ـ رأت القائم عليه السّلام ليلة مولده وبعد ذلك عدة مرات).
ولاء وعقيدة راسخة
لم تنل السيدة حكيمة منزلة رفيعة ومكانة عظيمة عند الله والأئمة المعصومين لقربها في النسب منهم فقط بل كانت خالصة الإيمان صافية العقيدة محضة الولاء لهم فحفظت أحاديثهم وروتها وتمسكت وحاججت بها، في الوقت الذي استغل من يقرب لهم هذا النسب هذا الأمر فادعى ما ليس له، فوقفت السيدة حكيمة لتنشر علمهم وتنفي ما ادعاه جعفر بن علي من الإمامة بعد أخيه العسكري، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده عن محمد بن عبدالله الطّهوي، قال: (قصدتُ حكيمة بنت محمّد الجواد (عليه السّلام) بعد وفاة الإمام العسكري أسألها من وراء حجاب عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت: يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعله في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام تفضيلاً للحسن والحسين، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما؛ إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين عليه السّلام بالفضل على ولد الحسن عليه السّلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى عليهما السّلام، وإن كان موسى حجّة على هارون؛ والفضل لولده إلى يوم القيامة).
وتواصل السيدة حكيمة حديثها فتشير إلى الإمام الحجة الخلف المهدي بعد أبيه فتقول: (ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقون، كيلا يكون للخلق على الله حجة. وإن الحيرة لابد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن عليه السّلام). فقال لها: يا مولاتي، هل كان للحسن العسكريّ وَلَد ؟ فقالت: إذا لم يكن للحسن عقب، فمن الحجة من بعده؟! وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السّلام) ثم حدثته بحديث الولادة الذي ذكرناه.
السيدة حكيمة في ضوء التأريخ
نالت السيدة حكيمة منزلة عظيمة عند الأئمة ونقلت لنا المصادر سيرتها العطرة المفعمة بالولاء وقد أثنى عليها علماؤنا الأعلام قديما وحديثا يقول المجلسي في بحار الأنوار (ج99ص79) عندما يصف قبة العسكريين المطهرة: (إنّ فيها قبر الكريمة النجيبة، العالمة الفاضلة، التقيّة الرضيّة، حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام). ثم يقول: (أنّها كانت مخصوصة بالأئمة (عليهم السلام) ومودعة أسرارهم، وكانت أمّ القائم عليه السّلام عندها، وكانت حاضرة عند ولادته، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمد العسكريّ عليه السلام، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته، فينبغي زيارتها بما أجرى الله اللسان بما يناسب فضلها وشأنها)
ووصفها السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) بأنها (كانت من الصالحات العابدات القانتات) وقال عنها الشيخ عباس القمي في كتابه (مفاتيح الجنان): (إنّ كُتب الزيارة لم تخصّها بزيارة خاصّة مع مالها من رفيع المنزلة، فينبغي أن تُزار بالزيارة العامّة لأولاد الأئمّة عليه السلام، أو تُزار بما ورد لزيارة عمتها الكريمة فاطمة بنت موسى (عليها السلام). توفيت السيدة المباركة الجليلة حكيمة (رضوان الله عليها) عام (274هـ)، ودُفنت بجوار مرقد الإمامينِ العسكريين (عليهما السلام) في مدينة سامراء.

 

محمد طاهر الصفار