لم يخصِّ الله امرأة من الشرف والكرامة عنده كما خصَّ هذه المرأة العظيمة، فقد وهبها من الخصائص ما لم تتوفر عند غيرها من النساء لا قبلها ولا بعدها، فهي المرأة الوحيدة التي وضعت وليدها في الكعبة المشرّفة، كما خصّها الله سبحانه وتعالى بشرف أن تكون أمّاً لرسول الله وحاضنته بعد أمه آمنة بنت وهب، فكان (صلى الله عليه وآله) يسميها أمّي كما ورد في حديثه عنها: (إنها كانت من أحسن خلق الله بي بعد أبي طالب، إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني)، فكانت تفضّله على سائر أولادها في البرّ، وعندما بُعث (ص) بالنبوة كانت أول من آمن به وبايعه من النساء بمكة بعد السيدة خديجة (عليها السلام).

هي السيدة الهاشمية الجليلة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، زوجة أبي طالب وأمّ أولاده طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، وبناته جمانة، وفاختة (أم هاني)، وسيدة بيته الطاهر... هذا البيت الذي أصبح حصن الإسلام، وحاضنة الرسول، والذائد عنه، والمضحّي في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله منذ انطلاق الدعوة النبوية الشريفة، فهو أول بيت يدخله الإسلام بدأً بعلي أول من آمن بالرسول وآزره.

لقد كانت فاطمة بنت أسد شريكة أبي طالب في رعاية رسول الله وكانت تقدِّمه على أولادها، وحسبها فخراً أن تكون أمّاً لأمير المؤمنين وأمّاً لجعفر بن أبي طالب قائد المهاجرين إلى الحبشة، وقائد معركة مؤتة التي استشهد فيها..، لقد فدى هذا البيت رسول الله (ص) ونصره وآزره فوجد رسول الله فيه  ما فقده من رفق الأبوة، وحنان الأمومة، ومؤازرة الأخوة فوجد في فاطمة بنت أسد حنان الأم الذي فقده. فقابلها بالإحسان فكان (ص) يجلها ويعظمها ويزورها ويمكث في بيتها ويحترمها احتراماً عظيماً كما يدلنا ذلك ما ورد في المستدرك على الصحيحين (ج 3ص108) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قوله:

(لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم كفّنها رسول الله (ص) في قميصه وصلى عليها وكبّر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوّي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب: (يا رسول الله: رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد) فقال (ص): (يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه وإن جبريل عليه السلام أخبرني عن ربي عز وجل أنها من أهل الجنة وأخبرني جبريل عليه السلام أن الله تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلون عليها).

ويسأل عمار بن ياسر النبي (ص): يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة؟

فيجيبه النبي (ص): (يا أبا اليقظان.. وأهلُ ذلك هي مني، لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلا فكانت تشبعني وتجيعهم وتكسوني وتعريهم وتدهنني وتشعثهم).

ولما فرغ (ص) من دفنها قال: (رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة).

وكما كان لهذا المرأة العظيمة جانباً عظيماً وشأناً كبيراً في رعاية رسول الله فقد كان لها جانباً عظيماً أيضاً في مؤازرته في دعوته وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (ع) قوله:

(أن فاطمة بنت أسد لما نزلت هذه الآية (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك..) كانت فاطمة أول امرأة بايعت رسول الله (ص)).

فهذه المرأة نذرت نفسها وأولادها لله ولرسوله حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية وقد شكر الله لها سعيها في سبيله فأعدّ لها مقاماً في الجنة كما شكر رسول الله برّها فكفّنها في قميصه واضطجع في قبرها وواعدها الجنة.

 

محمد طاهر الصفار