الحلقة الأولى

نذرت هذه المرأة الطاهرة نفسها وزوجها وولدها لله والإسلام والرسول (صلى الله عليه وآله) وبذلت جهدها في نصرة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عن الحق ومقارعة الباطل فكانت أول مهاجرة من أزواج الرسول وأفضلهن بعد السيدة خديجة (عليها السلام) وأشدّهن تمسّكاً بسنته الشريفة وأكثرهن طاعة لأوامره.

رافقت هذه السيدة الفاضلة النبي في حياته الحافلة بالأحداث فكانت مثالاً يُحتذى به في الحكمة والفضيلة والدين والصدق والإخلاص فجسّدت أروع مثال للمرأة المؤمنة.. آمنت بالدعوة المباركة، وجاهدت وهاجرت في سبيلها فتشرّفت بالزواج من سيد الأنبياء محمد، وبعد أن خلفها (صلى الله عليه وآله) في من خلف من أمّهات المؤمنين بعد أن لحق بالرفيق الأعلى لم تشط عن النهج الذي اختطه الرسول لأزواجه وأمته ولم تتخط الوصية التي فرضها الله ورسوله في كتابه المجيد لأمهات المؤمنين بالخصوص، فنصحت ما استطاعت النصح وأرشدت ما وسعها الإرشاد وأنذرت في مواقع الإنذار فكانت مثلاً سامياً للمرأة الصالحة، إنها السيدة أم سلمة أم المؤمنين التي اقتبست من آثار التعاليم الإلهية ونهلت من فيوض الرسالة المحمدية فنالت درجات رفيعة في الإيمان والتفقّه في الدين وحفظ الحديث الشريف.

هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرة بن مخزوم من المسلمات الأوائل أسلمت مع زوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن المغيرة المخزومي ابن عمة رسول الله برّة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاع، فتحمّلا كثيراً من أذى المشركين في جنب الله، وحينما أذن الرسول للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة كان في طليعتهم أبو سلمة وزوجته في رحلة مليئة بالمصاعب والمشاق لاقتها في سبيل الله ونصرة الاسلام.

كان أبو سلمة من أبطال المسلمين اشترك في بدر وأصيب يوم أحد بسهم فجرحه جرحاً بليغاً حتى فاضت روحه بين يدي زوجته أم سلمة لكن أم سلمة وجدت من يواسيها في محنتها ويخفف عنها كربتها ويعزيها عن مصيبتها فعاشت في البيت النبوي الذي أكسبها من أخلاق النبوة وخصائص الرسالة ما جعلها امرأة نادرة المثال راسخة الإيمان ثابتة اليقين في وقت تملّكت النوازع النفسية الأنانية بعض أزواج النبي في كثير من الحالات وتأثرهن بالعوامل والظروف.

كانت أم سلمة تنظر إلى الحوادث بعين البصيرة مجردة من هوى النفس وأبى عليها عقلها الكبير وبصيرتها النافذة أن تدخل فيما دخلن فيه رفيقاتها من خصومة وتنافر ومكايدة فقد سلكت إلى الحقيقة طريقها الصحيح، فأحبت ما يحبه الله ورسوله وأبغضت ما يبغضه الله ورسوله فاستيقنت أن النبي يحب علياً فأحبته ووالته وناصرته ورأته يوصي إلى علي فشايعته ووكدت نفسها على طاعته وقد سمعت من حديث رسول الله وحفظت ما فيه الهداية إلى الصراط المستقيم بالتمسك بأهل البيت (ع)، وكانت حريصة على أن لا يفوتها شيء من حديث النبي (ص)، حيث روى الذهبي إن أحاديثها بلغت (378) حديثاً وروى عنها الكثير من الصحابة والتابعين.

ومن جملة ما روته أم سلمة حديث الكساء المشهور كما روت أحاديث الرسول في حق أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) منها قوله (ص) لعلي (ع): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، وقوله (ص): (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، وقوله (ص): (علي بن أبي طالب والأئمة من ولده بعدي قادة أهل الأرض وقادة الغرّ المحجلين يوم القيامة)، وقوله (ص): (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وقوله (ص): (علي مع القرآن والقرآن مع علي) وقوله (ص): (الحق بعدي مع علي يدور معه حيث دار) وغيرها من الأحاديث في فضل أمير المؤمنين (ع).

كما كانت تحاجج بهذه الأحاديث أعداء أمير المؤمنين (ع) من ذلك ما رواه صاحب المستدرك على الصحيحين عن عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة في المدينة فقالت لي: أيُسبْ رسول الله (ص) فيكم؟ فقلت: معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سبّ علياً فقد سبّني، وروى عمر كحالة في أعلام النساء: إن أم سلمة كتبت إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك إنكم تلعنون علي بن ابي طالب (ع) ومن أحبه وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله.

 

محمد طاهر الصفار