هي درة الصدف ، بنت الصحابي الجليل عبد الله بن عمر الأنصاري الذي عاصر الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام ، وأن كان يسكن في حينها حلب الشامية ، حيث يروي التأريخ أن عبد الله علم بخبر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ورهطه الكرام ، وملئ الهم والغم محياه ، حتى لاحظت ذلك عليه درة الصدف وقالت له " ما بك يا أبتاه لا كبا بك الدهر ولا نزل بقومك القهر؟ " .

ابلغ عبد الله ابنته درة الصدف بأن الجيش الأموي دخل دمشق وسيدخل حلب حاملا الرؤوس الشريفات على الرماح ، بعد ان قتله أهل الشقاق والنفاق ، وسبوا حريمه ، وسيسيرون به إلى اللعين يزيد ، وراح ينحب ويبكي ويقول :

" قل العزاء وفاضت العيـــــنـــــان   وبليتُ بالأرزاء والأشـــــجان

قتلوا الحسين وسيروا لنسائــــه    حرم الرسول لسائر البــــلدان

منعوه من ماء الفرات بكربـــــلا   وعدت عليه عصابة الشيطان

سلبوا العمامة والقميص ورأسه    قسراً يعلى فوق رأس ســـنان "

فقالت له : " يا أبتاه ، لا خير في الحياة بعد قتل الهداة ، فو الله لأحرضن في خلاص الرأس والأسارى وآخذ الرأس وأدفنه عندي في داري وأفتخر به على أهل الأرض إن ساعدني الإمكان " .

ثم جمعت النساء المواليات لآل البيت النبوي عليهم السلام من الأنصار والحمير حتى بلغ عددهن (70) فدائية ، وتدرعن بالدروع والمغافير وتوجهن صوب العصابة الأموية التي كانت تحمل معها الرؤوس الشريفات وهجمن عليهم وأخذن رأس الحسين عليه السلام ، وهربن ووصلن مدينة نجلة التي كانت تحت إمرة ابي الأسود الدؤلي .

وعدما سمع النجليون بمقدم الرأس الشريف تجددت أحزانهم ، فقالت درة " هل من يجير وهل من ينصر على الأعداء ؟ " فأقبل عليها الدؤلي وقال لها : " من أنت ؟ " ، قالت : " أنا ابنة عبد الله ، سيدة قومي وقد نهضت في بنات عمي وعشيرتي لأخذ رأس الحسين من هؤلاء اللئام ، فرأيت القوم في كثرة من العدد فأتيت اطلب منجداً فلم أجد حتى أشرفت على دياركم والقوم قد قربوا منكم ، فهل فيكم من ناصر؟ " .

فاطرق الدؤلي مفكراً ، لتستفزه قائلة " أظنك يا أمير دخلت في بيعة يزيد " .

فأنتفض الدؤلي قائلا :  

أقول وذاك من ألم ووجـــــد  أزال الله ملك بني زيــــاد

وأبعدهم كما غدروا وخانوا   كما بعدت ثمود وقوم عاد

فقالت له : " إذا كان فعلك موافقاً لقولك ، فخذ في أهبتك وأخرج مع عشيرتك فأما الظفر فنفور بما طلبناه وأما غيره ، فنلحق بالسادة الهداة " .

فعندها نادى في قومه وبني عمه وجيش بهم ، فأجابوا بالسلاح ، حتى تكامل عنده ( 700 ) رجل و (100) امرأة ، وعزموا على المسير ، واقترنوا بحنظلة ابن جندلة الخزاعي و( 700 ) من قومه وبنو عمه ، لتتقدمتهم درة الصدف كراس حربة وجعلتهم وراؤها سندا فطعنت محمد بن الأشعث في خاصرته ، لأنه كان يحمل رأس العباس عليه السلام فمال الرأس من يده ، فاستقبلته قبل ان يصل إلى الأرض ، وأخذته ووضعته على صخرة ثم حملت على شكار ابن عم محمد الأشعث واردته قتيلا   ثم مراد بن شداد المذحجي ، حتى قتلت نحو عشر رجال .

ثم حمل المارقون الأمويون على شيعة آل محمد ومنهم النسوة الدرر ، واستشهد الدؤلي ثم تكاثرت الجيوش على حنظلة ودرة الصدف ومن معها واستشهدت وأخذوا منها الرؤوس والسبايا والحرم ، وركبت النسوان وأتوا بهم إلى حمص ، لتسجل بذلك درة الصدف فدائية من النوع الأول وولائية بامتياز فكان بذلك علما نسائيا شامخا  .

أسراء العامري