قيمة الحياة الحقيقية أن نكون قرب من نحب, لكن في الوقت ذاته علينا تمييز أشكال الحب أو بالأحرى الحديث عن أسمى معانيه وأصدق تجلياته, ذلك الشعور المغمس بالإيثار والمُداف بالاهتمام, الذي لا يحتاج إلى وصايا وأدلة لإثباته... الأم معجزة كل إنسان على هذا الكوكب القاسي.. التي منحها الله عز وجل في فطرتها حب ابنائها بمعدل أكبر من حب الذات.

أرفق لكم بين طيات كلماتي مزايا أمي الراحلة بجسدها إلى جوار بارئها, أما روحها لم تفارقني ولا لحظة وكأن الله يكتب لنا نعمة وجودهن كملاك حارس لا يبارح حاجتنا ولهفتنا للإحساس بالأمان؛ لذا لن أكف عن تهنئتها في عيد ميلادها أو في العيد الذي تشترك فيه مع كل أمهات الارض لأحتفل بها مع نفسي وأنا أتذكر صبرها اللامحدود, عطاءها منقطع النظير, دعاءها الخارق لحجب السموات, حنينها عند الغياب, رحمتها وقت القسوة..., وأتذكر أيضا عجزي عن رد جميلها, فمهما فعلنا لن نفي حقوق الأمهات, ولن نصل ما سمى إليه وجودهن قربنا أو نستوعب قيمته إلا بعد رحيلهن عن عالمنا المادي, ففي تلك اللحظة نرضخ لمشيئة الله سبحانه وتعالى ونحن نحمل جبالا من الوحشة والهم وربما الضياع, فلا يوجد حب عارٍ عن المصلحة كما حبهن, ولن نعثر على شخص لا ينتظر منا ردا لعطائه كما تعطي الأم من دون حساب أو تترقب جزاء, فما نحن عليه وما يمكننا الوصول إليه هو حتما ثمرة زرعها فينا لكل قيم الحياة ودعاؤها المستمر لنكون أفضل من الآخرين بل أفضل منها حتى, وبعد كل ما تمدنا به طيلة عمرها ترحل بعيون نصف مفتوحة على الدنيا, ليس تعلقا بها وإنما تمسكا بمن ترتبط بهم بحبل سري لا ينقطع أبدا كأنها روحا معلقة بين الحياة والموت أو كأنها ملاكا حارسا.

إيمان كاظم