على هامش قصة حصلت معي سوف أذكرها لكم في معرض هذا المقال يتبادر إلى ذهني واقع لطالما ابتليت به بعض الأديان والمجتمعات في مختلف بقاع الأرض وعلى مدى الأزمان, يكاد لا يخلو دين أو مجتمع من بعض المنافقين أو بعض المدّعين أو بعض الأعداء، يلحق كل منهم الإساءة بسمعة المجتمع والدين بشكل مجحف.

هذه هي الحقيقة، وهكذا هو الحال في كل من الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، حيث ألحق بعض المدّعين والأعداء والمنافقين الشبهات والبدع والبهتان بأديان المحبّة تلك, فإن اعتناق الأديان لا يعني بالضرورة لدى هؤلاء الالتزام به، فهم لم يعتنقوا هذا الدين أو ذاك إلا لأنهم علموا فيه وسيلة لتحقيق مصالح مادية أو معنوية معينة.

فالنفاق هو حالة ادّعاء مدروسة لغايات معينة تعني صاحبها، وهي غير فطرية، وليست عفوية، ولا يمكن لكلّ النّاس التمييز بين المنافق والصادق، وذلك لبراعة المنافق في إيهام النّاس بصدقه وصدق نواياه في حين تكون الحقيقة العكس، حيث ما يظهر عليه يختلف عمّا يختلجه الباطن.

على سبيل المثال أروي لكم قصة حصلت معي يوماً من الأيام حيث قصدت متجر الخضار لشراء بعضها، وأنا أملأ الأكياس بما لذّ وطاب من الخضرة النضرة، سمعت صاحب المتجر يتناوش مع أحدهم عن سوء خلق شخص يعرفه وهو على حسب ما عرّفه ملتزم دينياً بالصلاة والصوم، فأخذ يقول البائع "لا يهم الصلاة ولا الصوم ولكن الأخلاق الحسنة هي الأهم" ، فما كان مني إلا أن أحسست باستفزاز داخلي جعلني أتدخل بما لا يعنيني من حديث جانبي بين شخصين وكأنه يعنيني ويمسني, فأنا أومِن بشدّة، كمسلمة تحاول الالتزام بدينها قدر المستطاع دون أن تخلو من هفوة أو خطأ، بأن مكارم الأخلاق جزء من الدين ولا يمكن أن يكون الدين من دون مكارم الأخلاق، انطلاقاً من الآية الكريمة التي نزلت على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة نون {إنك لعلى خلقٍ عظيم}. لقد كانت مكارم الأخلاق التي تحلى بها النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) هي نواة انطلاق الدعوة الإسلامية وهذا ما يدعونا الله إليه أيضاً في الآية الكريمة {لا تكن فظاَ غليظ القلب فينفضوا من حولك} بحسب فهمي للآية. في هذا المضمار لم يكن مني إلا أن أعترض حديث البائع بطرح السؤال عليه ما المانع من أن يجتمع الاثنين في أي إنسان الالتزام بالصلاة والصوم والأحكام الدينية وفي الوقت نفسه العمل بما أوصى الإسلام من خلال الاقتداء بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكارم الأخلاق؟

 لم يعارض البائع طرحي ولكن كان يبدو عليه الانزعاج ممن يجاهر بالإيمان والالتزام ثم يقع في زلة لسان أو انحدار سلوكي فيهما سوء خلق، وهو على حق في ذلك، ولكن في الوقت نفسه لا بدّ من إدراك الفرق بين أن يكون العيب في أساس الدين أو أن العيب فينا وليس بالدين. ومع ذلك كلّه، لا بدّ من التماس العذر بهامش معين للناس عندما يكون ذلك ممكناً على قاعدة احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً حسنًا، فأولاً وأخيراً نحن لسنا معصومين عن الخطأ وليس منا من لا يخطئ ولو بهامش معين. ولا ننسى أن رحمة الله الواسعة التي تشملنا جميعاً حيث أنه غفار الذنوب يقبل التوبة عن عباده. كما أنّه ليس من العدل إلحاق الأذى بالدين نتيجة خطأ معين قد يكون حصل من مؤمن صادق عن غير قصد أو بجهالة أو بتسرع وعدم إدراك وغفلة من جهة، أو حتىّ من المنافق الكذّاب الذي يدّعي الالتزام الديني ويضمر ما لا يشهر من جهة أخرى. لا شك بأن أن النفاق هو الآفة الكبرى إلا أن  سوء الخلق في كلتا الحالتين المذكورتين سابقاً منبوذ ومرفوض في الدين، والدين بريء منه.

خلاصة القول العيب فينا إن كان بنا من سوء خلق أو بَدَرَ منا أي خطأ فما ذنب الدين السماوي الجميل الذي نزل بالحق وانتشر بمكارم الأخلاق والمحبّة ودفع السيئة بالتي هي أحسن أن نرميه ونرمي المتمسكين فيه من أهل الإيمان الصادقين بما ليس فيهم؟!

لينا وهب