حق الصاحب وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):

وَأمـّا حَقُّ الصَّاحِب فَأَنْ تَصْحَبَهُ بالفَضلِ مَا وَجَدْتَ إلَيهِ سَبيلاً, وإلا فَلا أَقَلَّ مِنَ الإنصافِ، وَأَنْ تُكْرِمَهُ كَمَا يـُكْرِمُكَ، وَتـحْفَظَهُ كَمَا يـَحْفَظُكَ، ولا يَسْبقَكَ فِيمَــا بَينَكَ وبَينَهُ إلَى مـَكْرَمَةٍ، فَـإنْ سَبَقَكَ كَافَـــأتَهُ, ولا تُقَصِّرَ بهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَوَدَّةِ, تُلْزِمُ نفْسَكَ نصِيحَتَهُ, وَحِيَاطَتَهُ, وَمُعَاضَدتَهُ عَلَى طَـــــاعَةِ رَبهِ, وَمَعُونتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا لا يَهُمُّ بهِ مِنْ مَعْصِيةِ رَبهِ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِ رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيهِ عَذَاباً, ولا قُوَّةَ إلا بالله.

وردت تعابير في كثير من الآيات القرآنية المباركة تؤكد إن الأنسان كائن اجتماعي لا يمكنه العيش من دون أن يُكوَّن أنماطا مختلفة من العلاقات الانسانية القائمة على المحبة وبحسب ما ذكرته الآية الكريمة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)" سورة الحجرات, فالتعارف هو بداية تكوُّن علاقة الصداقة التي نحن في صدد الحديث عنها ضمن صفحة (درر سجادية).

 

بداية الرحلة

تبدأ رحلة الصداقة بمواقف بسيطة وعابرة لا تلبث أن تتطور إلى مواقف راسخة وعميقة, في الحقيقة كثيرا من العلاقات تبدأ بقوة ويتوهم الأشخاص أنهم وجدوا أصحابهم لكن الإمام السجاد (عليه السلام) يضع في منظومته الأخلاقية معادلة الانصاف في التعامل إذا لم نكن قادرين على تقديم الفضل للصاحب بشكل عام, فيوحي لنا بجملة من الأمور الواجب تأديتها لنحافظ على خصوصية هذه الرباط الروحي ومنها حفظ كرامته وإكرامه كما يكرمنا, وحفظه حاضرا وغائبا؛ فالصديق لا ينبغي أن يكلف نفسه عناء التفكير بما يقوله أمام صاحبه لأن هذا النوع من العلاقات في الأساس قائم على الثقة والخصوصية وحفظ الأسرار وربما في الأساس هذه هي الحاجة الملحة التي تمنح هذا التقارب هويته المعنونة بالصديق.

 

ميزة الصداقة

للصداقة ميزات كثيرة تمنحها طابعا استثنائيا, فبقية العلاقات في الحياة لا تكون اختيارية كما في موضوع الأصحاب؛ فلا تربطهم رابطة الدم ولا المصاهرة ولا تفرض بيئة العمل عليهم التواجد المكاني, ولا قرب السكن يجعلهم جيران, لا مصالح مادية ولا أهداف مستقبلية, كل ما في الأمر إننا بحاجة لشخص نستند عليه يكون خارج دائرة الأسرة والعمل, وعادة تتشكل أولى ملامح هذه العلاقات في المدرسة على اعتبارها البيئة المثالية التي تحتضن مجموعة من الأشخاص في عمر متقارب ومن بيئات أسرية مختلفة, ما يجذبهم لبعض هو تشابه وتقارب في الروح أو الطباع.. وربما تكون الطباع مختلفة لكن يكمل كل منهما الآخر, فميزة الصداقة إنها خارج الحسابات والقيود وكثيرا من الاعتبارات, ولعل الأمثلة والحكايات والقصص في هذا الإطار أخذت أبعادا لا حدود لها وهي ترسم لوحات خالدة عن معاني سامية لا يمكن أن تسقط من شجرة الذاكرة مهما عصفت عليها رياح التاريخ, ومن أكثر وأعمق تلك الصور هي الصورة الخالدة لأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وهم يبذلون مهجتهم دون صاحبهم وها نحن إلى الآن نردد بعبارة السلام (السلام على أصحاب الحسين) وهذه هي الميزة التي لم تكن تطلب من الدنيا بصحبتها وانما صحبة تنشد الآخرة.

الدليـل

مهما بلغنا من المعرفة والإرادة في اتخاذ قراراتنا في الحياة لابد من دليل وناصح يرافق خطواتنا, الصديق هو ذلك الشخص الذي يمكن ان يكون المرشد لكن ليس قبل أن تتوفر فيه مواصفات الانسان المستقيم, فليس من المنطق أن نعتمد نصيحة صديق هو بذاته يحتاج النصح والارشاد, لذلك علينا ومن البداية الابتعاد عن دائرة رفاق السوء لأنها كلما اتسعت وكلما تعمقنا في الدخول إليها كلما استصعبنا الخروج منها وبدل أن تكون الرفقة في سبيل الله, ومدعاة للراحة والسكينة تكون نتائجها عكسية على يومياتنا وتؤثر علينا وتخرج عن مواصفات الحقوق التي أرساها الإمام (عليه السلام) في رسالة الحقوق.

 

إيمان كاظم