ماالذي يدفع العديد من المثقفات ‏والجامعيات نحو بيوت ‏السحر والشعوذة؟!‏

وماهي الظروف والمواقف التي ‏جعلت منهن فريسات لاوهام ‏الدجالين وادعياء الغيب؟

فالعديد من الفتيات ‏المتعلمات وغير المتعلمات يلجأن ‏الى بيوت العرافات لبث اسرارهن من اولئك ‏الدجالين مقابل مبالغ مالية.. ‏

‏من المهم مناقشة هذه القضية من ‏جوانبها المتعددة النفسية ‏والاجتماعية والدينية، وما ينطوي عليها ‏من آثار خطيرة على الذات ‏ والثقافة بصورة عامة ‏وعلى المجتمع ككل.

نماذج هنا وهناك

لم تكن نماذج النساء اللواتي ‏التقيانهن يتطلب جهدا وبحثا ‏طويلا، فكنا نجدهن ‏في الجامعات وعند مراكز التجميل ‏النسائية وفي المؤسسات ‏الحكومية وفي البيوت وغيرها ‏من الاماكن.. بعضهن ابدت ‏رفضها الحديث وأخريات عبرن ‏عن قناعتهن بمسألة السحر، اخيرا تكلمن ‏عن تجاربهن بعد ان وعدناهن ‏بعدم ذكر الاسماء او تفاصيل ‏دقيقة عن قضاياهن. ‏

فقدان الآمل

لجأت ( و. و) 30 عاما الى احد ‏البيوت المعروفة بكشف الغيب ‏عن طريق خالتها التي تتردد على ‏تلك البيوت لتكشف لها المستقبل ‏المجهول بعد ان ضاق التفكير ‏بحلول مناسبة.. تخرجت من كلية ‏الادارة والاقتصاد قبل سنوات ولم ‏تعثر على وظيفة.. ورغم تناسيها ‏مشكلة العمل إلا أنها راحت تنتظر ‏العريس الذي غاب هو ايضا من ‏حياتها ما افقدها الامل بعد ان ‏تزوجت الاخت الصغرى.. ‏نصحتها خالتها بعد اقناع والدتها ‏ان تصحبها الى بيت (كشافة) ‏تعرف كفاءتها وقدرتها على فك ‏عقد الفتاة.. فظلت تتردد عليها ‏وتجلب معها ما تجود به العرافة ‏عليها من اوراق وادعية واشياء ‏تحرقها في البيت دون جدوى ‏حتى يئست من الزواج تماما ‏وادركت فشل كل محاولاتها في ‏جلب العرسان. ‏

رسم الخطط

كذلك (ن.ل) 25 عاما جامعية ‏ومتزوجة من رجل ثري ولا تشكو ‏من اية مشكلة مادية او صحية.. ‏الا انها تشك في زوجها .. ‏وكانت تعترف بكل تفاصيل ‏ماكانت تكتشفه من آثار الخيانة ما ‏يسبب لها ذلك ألما وغيرة، ارادت ‏ان تعرف كل شيء عن تلك ‏العلاقات وان تعيد الزوج ‏ الى بيته بقلب صاف ‏وخال من العلاقات المحرمة، فلم ‏يكن امامها سوى اللجوء الى ‏الكشافة او العرافة التي اعتقدت ‏ان لديها القوى الخفية في كشف ‏الغيب واستعادة الزوج التائه الى ‏مكانه الصحيح، فكانت تؤمن بما ‏تقوله لها وتعمل بنصائحها ‏وشعوذتها دون فائدة! تبين في ما ‏بعد ان العرافة كانت تستدرجها ‏بالكلام وتأخذ منها المفيد الذي ‏يقودها الى معرفة اسرارها لترسم ‏بعد ذلك خطتها في ابتزازها. ‏

فقدان الأمل

تعترف ( ع. م) موظفة مرموقة ‏في احدى المؤسسات انها وجدت ‏نفسها مندفعة الى احدى العرافات ‏بعد أن فقدت الأمل في الانجاب ‏ومنذ مايقارب العشر سنوات من ‏عمر زواجها انقادت الى بيت ‏معروف بالكشف ومعرفة اسباب ‏المشاكل وايجاد الحلول لكل داء ‏وعوق وقضية.. تقول انها لم تدع ‏طريقا الا وسلكته في سبيل انجاب ‏طفل يعزز حياتها ويشعرها ‏بالسعادة ولم يفلح الطب ‏والعلاجات المتعددة، فنصحوها ‏بالتوجه الى من يستطيع اكتشاف ‏علة العقم، كما يزعمون، فالكثير من ‏الرجال والنساء المصابون بداء ‏او مرض عقلي او يعانون من ‏مشكلة يذهبون الى ذلك العراف ‏المختص بعلاج الرجال، وزوجته ‏العرافة التي تعتني بالنساء ‏وعندهما ستجد داء لعلتها ! وكان ‏الامر بالنسبة لها منقذا لحالتها ‏التي اتعبتها كثيرا.  ‏

ازمات متعددة

‏يؤكد علماء النفس والاجتماع ‏على ان الحالات النفسية ‏والعصبية هي التي تدفع الناس ‏للتردد على كشف عوالم الغيب ‏ومعرفة المجهول.. ويشير علماء ‏الانثربولوجيا ان السحر ‏والشعوذة هو نوع من انواع ‏الثقافة المرئية والشعبية التي ‏تتميز بالسرية.. وان اللجوء الى ‏بيوت العرافين والمعالجين ‏الاخرين الذين يتميزون بقوة على ‏معالجة الامراض النفسية ‏والعصبية على حد زعمهم هو ‏وجود ازمة ثقافية واجتماعية ‏كبيرة.. كما يرى علماء النفس ان ‏اللجوء الى العراف او المشعوذ ‏مرتبط بأنعدام الوعي وسيطرة ‏الفكر الخرافي على المجتمع الذي ‏لايزال الكثير من المثقفين ‏والمثقفات يؤمنون به.‏

ترويج

تشير الاحصاءات والدراسات ‏النفسية والاجتماعية الى ان اكثر ‏المترددين على تلك الخرافات هم ‏من النساء المثقفات ‏والمتعلمات..كما ان العديد من ‏القنوات الفضائية هي التي تروج ‏لمسائل الغيب وتوهم الناس ‏بالقدرة على علاج الامراض ‏والحالات المستعصية وتجري ‏الاتصالات المكثفة من قبل العديد ‏من النساء والرجال لبث مشكلتهم ‏او مرضهم اوحالاتهم الخاصة ‏عبر الاتصال المباشر كي تجد حلا ‏لكل داء بأسلوب يعتمد التنجيم ‏وكشف الغيب بما لاينسجم مع ‏التطورات الحديثة في الطب ‏والعلاج.. ويطلبون من الناس ‏اشياء مثيرة للسخرية! بدورها ‏تروج كثيرا وبأسلوب مغر للكثير ‏من الاعشاب ومسميات اخرى ‏تغيب عن الفكر الآن لجلبها او ‏استخدامها وبهذه الطلبات راج ‏سوق العشابين، وصارت تنتشر ‏وبكثرة محال الاعشاب دون ‏ترخيص التي تستخف بعقول ‏الناس لتبيعهم الوهم. ‏

الجهل والعنف

من جانبه اكد الدكتور" رياض ‏البيضاني" استاذ علم الاجتماع  ‏أهمية الوعي الذي يعد الاساس ‏في مكافحة كل انواع السحر ‏والشعوذة لاسيما الكتب والقنوات ‏التي تبث الاوهام وتقابل الدجالين ‏وتدع لهم مجالا في الانتشار.. لان ‏الوعي دليل على الالتزام والتمسك ‏الحقيقة والصدق.. وان اللجوء ‏الى تلك البيوت التي تتصف الغموض هو طريق ‏الجهل ونقص المعرفة والعقلانية ‏والثقافة.. موضحا ان الاعراف ‏والضغوطات والمشاكل والعنف ‏الذي تتعرض له النساء احد ‏اسباب لجوئهن الى بيوت ‏العرافات والدجالين.. ودعا ‏الدكتور البيضاني الى بث روح ‏الثقافة والعمل على اشراك المرأة ‏في مجالات العمل والدراسة ‏وابعادها عن الضغوطات وتثقيفها ‏ثقافة متطورة وراقية بعيدة ‏الاجواء السوداء التي تزيدها ‏وهما واضطهادا، وعلى المنظمات ‏المختصة بشؤون المرأة العمل ‏على رعايتها وتذليل الصعوبات ‏الي تواجهها عن طريق برامج ‏ترفيهية واصدارات ثقافية خاصة ‏بها كما تقع على وسائل الاعلام ‏مسؤولية عدم الترويج لمسائل ‏السحر والشعوذة التي تبث ‏الاوهام على مدار الساعة !‏

من الآراء المميزة والتحليلات ‏الدقيقة لهذه القضية أكد الدكتور‏قاسم حسين صالح رئيس الجمعية ‏العراقية النفسية ثمة حقيقة ‏ومفارقتين.أما الحقيقة فهي : إن ‏ما لا يقل عن 90 بالمئة من رواد ‏العرّافين هم من النساء واما ‏المفارقتان،فالأولى : إن انتشار ‏التعليم بين النساء لم يفض إلى ‏انحسار مراجعاتهن ‏للعرافين.والثانية:ان التقدم ‏التكنولوجي القائم على التفكير ‏العلمي أدى إلى رواج سوق ‏العرافين وانتشار التفكير ‏الخرافي.‏

الثقة بالله

أما رأي الشرع لهذه الظاهرة يحدثناالشيخ ماجد العزاوي: (الإيمان الصادق بالله والإيمان الراسخ بقدرته وقوته ونفعه وضره دون سواه ، هو الذي يقوي الأنفس ويجعلها قادرة على السير نحو المستقبل بخطى ثابتة وراسخة وقلب مطمئن بان الله هو الذي بيده مقاليد كل شيء وقوله تعالى ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله وما يشعرون أيان يبعثون)) صدق الله العظيم، وعلى علماء الدين أن يوضحوا للناس رأيهم المطلق في هذه الأعمال وان يفضحوا مبرراتها وما تسببه للناس من أثر سلبي في عقيدتهم كما تسبب ضعف إيمانهم وارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وأيضا على رجال الدين دفع الناس إلى حسن الثقة بالله والاعتماد عليه والمداومة على قراءة القرآن الكريم وذكر الله عند كل نائبة أو مصيبة تحدث لهم وان لا يغفلوا الدعاء (( وقل ادعوني استجب لكم )) (صدق الله العظيم).

سعاد البياتي