لاَ تُبْلَغُ الغاياتُ بِالأَمانِي، وليس كل ما يتمنى المرء يُدركه، لأن طريق النجاح صعب يقتضي التحصيل العلمي والعمل والمثابرة، وليست الآمال والأمنيات وحدها كافية في متاع الرحلة المضنية  نحو المستقبل، ولكن من حق الإنسان أن يتمنى ويحلم ويطمح ومن ثم يسعى سعيه، ويصنع يومه وغده،بالتوكل على الله تعالى وتوفيقه.

يمكن أن تكون الأمنيات واسعة بحجم خارطة الوطن لو صدقت النيّات، ويمكن أن تتراجع في ظل الفوضى والفساد إلى أضيق نطاق، عندما يصبح استلام راتب الموظف مجرد أمنية في بلد حباه الله بخيرات الدنيا كلها.

 الأماني تتغير من وقت إلى آخر،وقد تتحول إلى أهداف مضيئة،فتضفي على الحياة معنى،ولا شك أن تفتح الوعي في مراحل النضوج المبكرة يبدأ بالأحلام،فهناك من يجعل طموحه التفوق الدراسي،وغيره قد يجد في الإنجاز العملي مقصده،وتلتقي أمنيات كل من الشاب والشابة في الرغبة في الحب والزواج وتكوين الأسرة،ثم يبدأ التفكير في الإنجاب،وعندما يرزقهم الله بالمولود ذكراً يتمنيان الأنثى أو العكس،وتكون أمنية الأبوين دائماً أن يكون مستقبل أولادهما أفضل من حاضرهما،وتلك من الأماني التي تحيطها ظروف المجتمع المعقدة،وقد لا  يمكن الوصول إليها إلا بصعوبة وعناء،فما يرثه الأبناء ليس بالضرورة أفضل من تركة الآباء،وبخاصة في ظل مجتمعات متعثرة في طريق التقدم،وبعضها يتراجع إلى الوراء مع الأسف!

قلب الأم مستودع الرغبات والأمنيات الجميلة، فهي تقرأ المستقبل في عيون الأبناء،في مرحلة الطفولة تريدهم أن يكبروا بسرعة، وعندما يكبرون، تشعر بالفخر أمام تفوقهم الدراسي،وعندما يتخرجون يسعدها نجاحهم المهني،وعندما يتزوجون وينجبون تراهم صغاراً،ولو بلغوا الكهولة، وتستمر دورة الحياة، في سلسلة متصلة من الأمنيات والمواقف والتجارب!

تستطيع الأم أن تكون المرشدة الموجهة لرغبات الأبناء ورعاية طموحاتهم عبر المتابعة والتشجيع  في مرحلة الطفولة والشباب، وقد تستمر في دعمهم طوال مشوار الحياة، فهي القدوة الحسنة والقلب النابض بالمحبة والعطاء،ولعل من أسرار نجاح الكثيرين والكثيرات تلك العلاقة الايجابية مع الأم،التي ترسم ملامح الشخصية الفتية وتضع قواعدها التربوية والنفسية والأخلاقية في وقت مبكر، ومن شابه أباه ما ظلم أمه، كما قالت العرب، ومن برّ أمه فقد ضمن النجاح في الدنيا والجنة في الآخرة، ويظل تحقيق الأمنيات رهيناً برضى الله تعالى ورضى الوالدين وبالأخص دعاء مستجاب من قلب الأم الصابرة.

    ينبغي أن لا نحرم أنفسنا من التمنيات التي يرافقها العمل والجهد والإخلاص، أو كما يقول الشاعر صفي الدين الحلي:

لا يظهرُ العجز منا دون نيلِ مُنى

   ولو رأينا المنايا في أمانينا

د. محمد فلحي