فجأة .. وبدون سابق انذار تسكت كل الاصوات ويعلو صوت عقارب الساعة بل ان الاذن لا تكاد تسمع شيئا غيره
تٍك تُك تٍك تُك.. تخترق الاذن بسرعة الضوء لتصل للقلب مباشرة  فتثير غبار الخوف والقلق، وبلمح البصر تثقب كل صناديق الذكريات القديمة  فتسيل من ثقوبها كل ساعات العمر بحلوها ومرها، فتتهاوى نجوم المواقف فوق الرؤوس، هنا ابتسامة، وهناك حزن، وما بينهما لحظات من ندم وحسرة .. ولكن هيهات لهذه المشاعر أن تعيد ما يجب فعله حينها.

اغلب ما سطره قلمي اعلاه ممكن الحدوث، مع اختلافات لها الأثر البالغ على النتائج، فكلنا يسعى لإسعاد نفسه والآخرين ليبلغ مناه في رضا الله سبحانه، ولكن في بعض الأحيان ما نراه سعادة لنا، قد يكون تعاسة للآخرين، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المستقبل البعيد القريب سيحمل بين طياته كل أسى وتأوهات من ذاقوا التعاسة على يدي صاحب مشاعر السعادة الوهمية حيث صنع لنفسه فقاعة مزركشة بأجمل الألوان المحببة له، فأخذت تكبر وتكبر، حتى يحين بعدها موعد القطاف ليفقأ كل ما كان مجوفاً من الداخل، (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

وعندما نريد تحديد ما ينفع الناس يجب علينا أن نقرر الوجهة التي نبتغيها كي لا يضل سعينا في الحياة الدنيا كما قال تعالى "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" فمنافذ الخير كبيرة وواسعة فقط تحتاج لإزالة حجب الكراهية والبغضاء ومشاعر الحسد وما الى ذلك من مفردات لا استسيغ حتى كتابة حروفها وهي مما تغلق الطريق عن من لا يملك الارادة القوية للوصول لرضا الله ويتفنن في ابتكار الذرائع التي تبقيه في مكانه من غير مسير، وفي الضفة الأخرى من النهر نجد من شمّر عن ساعديه واستعان بالله ثم مضى مهرولاَ نحو المنافذ وما اكثرها فأخذ يقتنص الفرص الواحدة تلو الأخرى، تارة يبتسم بوجه انسان مر من أمامه، وتارة أخرى يمسح على رأس طفل يتيم، وتراه هناك يعطي من يستحق بدون اشهار أو اذلال للآخر، وفي موطن آخر يزيل حجراً من منتصف الطريق ، أو يمسك بيد شيخ كبير ليقطع الشارع بسلام ، هل يوجد ما هو اسهل من هذه المنافذ ؟ ولو اردت أن اكتب تعداداً فقط لها لما وسعت مجلدات كاملة لحصرها ، كل ما في الأمر هو تحديد الوجهة والغاية والاصرار على الوصول بعون الله سبحانه وتعالى وكما قال الامام الصادق (عليه السلام): "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة المشي إلاّ بُعداً"

عندئذٍ حين تسمع صوت حركة عقارب الساعة تسرع الخطى للأمام، في حين أن العمر يسير في الاتجاه المعاكس، وتنهمر عليك كل مشاهد حياتك.. ستعلو الابتسامة فوق شفتيك، ويسكن الهدوء بين ربوع قلبك وتحمد الله وتشكره على جزيل عطاياه وتتحفز لاقتناص الفرص من المنافذ التي لم تصلها وتضع الخطة للانطلاق الجديد . 

الأصول من الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي: ج1 ص43 / كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم.

خلود البياتي