التلبية...

هل سمعتم بأحدب نوتردام؟ هذا كان قدرنا جميعا هنا، لك ان تتنفس التدين، المواطنة او حتى الشرف ليكون مصيرك محدودبا أو مجهول المصير في زمن الهدّام.

لذلك فررت من المدن، تعبت من الموت والزنازين حاولت ان الوذ بما تبقى من قرى او قصيبات نائية، فرغم موت الجلاد ، لم يمت مريدوه.

ثم اعقب سقوطه المريع، تنفذ قوات اجنبية، اباحت كل شيء وتركتنا للذئاب.. ألم اقل لكم انه قدرنا، احتفل العالم العلوي والسفلي بسقوط المسخ الا ان ظهورنا مازالت محدودبة لكثرة ما نحمل من ضحايا التفجيرات والارهاب والطائفية.

 

هل تصدقون ان ابن عمي زيني كان عسكريا في القوة الاتحادية وكان يلتحق بمعسكره شمالا بواسطة مطار بغداد.. لماذا؟.. لان الارض مرتع ذئاب تتناوش من يغفل فتترك راسه مقلوعا على قارعة طريق الوطن

اضحكوا لا بأس، انا ايضا كنت اضحك... اضحك الى ان اغص بعبرتي وانا اتأمل طفليه حتى يعود لهما في اجازة، يحالفنا الحظ احيانا فيتأخر اليتم نوعا ما.

 

مازال الوقت مبكرا، لكني استمتع بأجواء القرية, اتنفس البادية، ازفر الماضي لأخرج دخان الموت من سني عمري, حينما سمعتهم يتكلمون بهمس.. ما الذي يجعل الرجال الاشداء يتهامسون

ثم غاب الجميع بعض ساعات ثم حضروا جميعا, اصوات كثيرة، اراء متضاربة، كلمات متداخلة، وجوه متحيرة، ضجة وهمهمة سقطت الموصل!!

 

الموصل اصلا بيد عصابات القاعدة تجول فيها منذ اشهر؟

سقطت بيد داعش!

من داعش؟

صوت احدهم وهو يصفهم مرعوبا خيل لي انه يتحدث عن مخلوقات ممسوخة تبطش بلا رحمة.

آخر يضيف لو رأيت تكبيرهم لجمد الدم في عروقك.

آخر من تصّدر المجلس يقف غاضبا لا افهم هو يطرد المتحدثين او يعنفهم مستنكرا دخول الهارب للمضيف.

بعضهم يحدث نفسه ما شأننا بالموصل؟

اخر يؤنب رفيقه لان باع سلاحه قبل فترة!

عمي اقترح ان يلتزم كلا بيته فلابد من حماية العرض...

أشعر بالخوف يزحف نحوي وعيون الجلاد تحدق بي مرة اخرى, أين افر منه هذه المرة اشعر بانكسار مضاعف اتكأت على جدار الغرفة صارت الاصوات بعيده واقتربت السماء لم اشعر الا وانا في غرفة النوم.

 

البيت هادئ قفزت من خوفي اين الناس تراءى لي جدي يصلي في باحة الدار، جلست امامه انتظر فراغه، فيما استمر هو غير آبه بي مستغرقا في دعاءه ووِرده او ربما ليس لديه ما يقوله!

حاولت ان استمد من جلوسي قربه بعض الأمان لكنه فأجاني متحسرا "لا سلاح في البيت"،  اخذ عمي سلاحه وجدي يفكر في شحذ سكاكينه

قلت له نشتري.. فأشار انه لا مال ولا وقت لدينا

اتذكر اني حاولت نزع قلادتي فسحب يدي بحزم وقال لا وقت لدينا اسمعي.. جدي يوصيني بحماية نفسي

ومصيبتاه

دخل ابن عمي فجاءة يتطاير الشرر من عينه وهو يلوم جدي على حديثه ثم صاح بوجهي لأعدل حجابي ثم قال ادخلي البيت ولا تفكري.

كان يحدث جدي بعض رجالنا في النجف لمعرفة الوضع والاخرين يهيئون اسلحتهم نصف يرحل ونصف يبقى, لأول مرة اجلس استمع لحديث الرجال من قريب دخلوا بعض السادة فقفزت لداخل البيت اسمع صوت جدي مستبشرا فتوى

فتوى مثل ثورة العشرين!!

خيل لي ان الرجال يهنئون بعضهم

جارنا كان غاضبا قال ان داعش ذبحوا الجيش والشرطة وهم الان في بغداد ومواجهتهم انتحار..

اخر يقول انهم مدعومون بدول ولديهم كل انواع الاسلحة حتى طائرات تنقل لهم..

ابن عمي وجهه مستبشر ينادي اخوته فتوى فتوى بلغوا الناس..

 

لم ينتصف ذلك النهار الا وشباب مسلح في كل مكان بعضهم يرتدي الزي العسكري بعضهم مازال بلبسه العربي عمي يقول منشآت على الطريق الخارجي لنقلهم

الى اين؟

لا احد يجيب!

الى متى؟

لا احد يدري!

انظر اطفال ابن عمي يلوذون به اخوته حوله

بعض النساء خمشن وجوههن، كثرة الناس لم تسمح لي بتوديع احد

امسى الليل والبيت يخلوا من الرجال عدا جدي الذي اتخذ مكانا في باحة الدار مقابل الباب فلا يتحرك عنه طيلة الليل والنهار.

كانت ليلة النصف لشعبان اشرفت علينا وقلوبنا منكسرة حتى اخرج جدي جهاز التلفاز وشغله واجتمعنا ننظر التحاق الرجال وتهافتهم على المنشآت ثم نقل مراسيم الزيارة وعهد الرجال للحسين (عليه السلام) بعض الخطباء يرتدي البزة العسكرية بعض الرواديد الهبوا صدور الرجال بالحماسة كنا نتفرج شعرت تلك الليلة ان ظهري بدأ بالاستقامة، لست انا فقط

حتى جدي لم يعد ظهره منكسرا بل جلس بكل فخر يتباهى بالتحاق كل اولاده.

سألت جدي هل فعلا الهارب لا يجلس في الديوان؟

قال لم يحدث قبل عندنا ما حدث امس

هذا ما اثار حفيظة ابن عمك فشتمه حتى خجل

لا انكر اني مازلت احسب لو بعت قلادتي وبعض مدخراتي هل بإمكاني الحصول على سلاح؟

اذكر اني قدرت ما املك ب٦٠٠ الف دينار لكن سرعان ما شعرت بالخيبة فقد ارتفع سعر السلاح الى الضعف

اخبرت ابن عمي اريد شراء "نص اخمس"،  فابتسم واشار الى عينه

اشعر ان الدنيا بدأت تتغير, اعرف ان احتمال موتنا وارد ولكننا حظينا بشرف التلبية للفتوى وشرف الدفاع عن النفس تحمست وانا اسمع قول احدهم "استافوا بيهم قبل ما تموتون"؟! اي خذوا ثأركم اذا كان لابد من الموت.

فأهلا به في سبيل الدفاع عن الحرمات.

لبنى مجيد حسين