إن محبة الصغار غريزة في الحياة، لا تقتصر على البشر وحدهم، بل زرعتها القدرة الإلهية في أغلب الكائنات الحيّة، لأنها  سر استمرارية الحياة وتطورها، ونحن البشر نقول(الأطفال أحباب الله) و (أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض) و(أعز من الولد ولد الولد) وهذه الحقيقة الأخيرة تُعَد أول درس تعلمته من حفيدي، الذي جاء إلى الدنيا، مثل كل البشر، لأبوين لم يخترهما ولم يعرفهما من قبل، وسوف يرث في جسده وروحه الكثير من صفاتهما، الحميدة والسيئة، في آن معاً، ولم يكن لإرادته أي اختيار في زمن ولادته ولا مكانها، وقد فرض عليه، منذ اللحظة الأولى، أن يواجه العالم، وأن يصنع مستقبله المجهول، أما باكياً أو ضاحكاً، أو شاكياً أو راضياً، أو سعيداً أو شقياً، أو صالحاً أو فاسداً، أو مؤمناً، أو كافراً، أو غنياً، أو فقيراً، وأن يقطع هذه الرحلة، بين الولادة والموت، وسط ظروف لا يستطيع التحكم في مساراتها، وبين حوادث لا يعرف إلا القليل عن أسبابها ونتائجها، ولولا غريزة البقاء، التي تسمى(الحب) والتي تجعل الآباء يحتضنون صغارهم، ويغمرونهم بتلك المحبة، غير المحدودة، ويوفرون لهم سبل الحياة ويساعدونهم على النمو والارتقاء، و لولا تلك الغريزة الربانية التي تجعل الذكر والأنثى يتحملان قساوة الحياة، من خلال تذوق حلاوة الحب، ذلك المخدر العجيب، الذي يوفر بعض الهدوء والسكينة لتلك الأرواح المضطربة، ويتيح أمام البشر إمكانية الصبر والتحمل، من خلال مزيج من الأحلام والأوهام، التي تظهر وتختفي، وترتفع  وتنخفض، وتقترب وتبتعد، في أعماق الذاكرة، وهي متعة لا تضاهيها إلا نعمة النسيان، أقول لولا ذلك السر العجيب(الحب) لوجد هذا الطفل نفسه ضائعاً تائهاً، في عالم مضطرب، مثل سفينة تائهة في محيط بلا بداية وبلا نهاية!

       لكن الحب وحده، يجعل الآباء يرسمون لأولادهم مستقبلاً أفضل،  ويجعل الأمل والإيمان بلطف الخالق عز وجل، الأجداد يتوقعون لأحفادهم فرصة أجمل في الحياة، وتتوارث الأجيال المتعاقبة هذه الرغبات والأحلام الضائعة، التي لم يتحقق من بينها إلا القليل، بيد أن هذا الجيل الذي نعيشه، قد يبدو أكثر قرباً من تحقيق بعض أحلامه، حيث وجدت البشرية نفسها تطفو وسط طوفان من تلك الأحلام والحاجات والتطلعات والرغبات، وقد سقطت الحواجز، وتقاربت المسافات، وتزاحمت الحشود، في مدن مليونية، وتبادلت المعلومات عبر تقنيات الوسائط المتعددة، بالكتابة والصوت والصورة، ولم يعد ثمة فرق واضح بين الحقيقة والخيال، ولا ندري كيف سيفهم عقل الصغير هذا الخليط المعقد، وكيف سوف ينعكس هذا المزيج على سلوكه وحياته، في المستقبل، عندما يواجه الحياة، في واقعها المتشابك، فقد أصبحت بعض

الأحلام نوعاً من الحقائق، وبات البعيد قريباً

المواجهة الأولى مع الدنيا تفرض على الوليد الغض مناعة ضد هجوم البكتيريا والفايروسات لتحميه من كثير من الأمراض الجسدية، لكن المناعة الروحية الإيمانية لا تقل أهمية، وهي من بين ما يرثه الأحفاد من الآباء والأجداد، فلنغرس في قلوب احفادنا قيم الخير والإيمان والمحبة والتسمح لكي تكون حياتهم أفضل من حياتنا!

د. محمد فلحي