من يقرأ عنوان هذا المقال سيتوقف حتماً لقراءة مضمونه؛ لأننا تعودنا على مفردة التغذية بمعناها المعروف وهو ما يتناوله الطفل من أغذية وسوائل مختلفة تساعده على النمو بشكل سليم وتحصنه ضد الأمراض التي تحتاج بطبيعة الحال إلى جهاز مناعي قوي لمقاومتها, والأهم والبديهي هو إن استمرار الحياة مرتبط بتلبية الحاجات المادية بشكل أساسي التي من دونها لا يمكن الاستفادة من الحاجات الأخرى ولن يتمكن الانسان من العيش.

والآن وعلى اعتبار إن الحاجة إلى الحب والعاطفة لا تشكل حجراً أساساً كما في الحاجات الفسيولوجية كالطعام والشراب والنوم والتنفس...إلخ, والسؤال هنا ما مدى أهمية التغذية العاطفية وعلى ماذا تساعد؟ التغذية العاطفية هي مجموعة المشاعر والسلوكيات التي تصل للطفل عن طريق والديه والمحيطين به, إذ تبدأ هذه التغذية بالتزامن مع تغذية الجنين في أحشاء أمه عن طريق الحبل السري, فقد أثبتت دراسات علمية ونفسية إن الجنين يتأثر بمشاعر أمه ويتفاعل معها, كما يشعر بمقدار عاطفتها نحوه من خلال ضربات القلب ولمس جنينها من خلف الجدار العازل, وحديثها عنه, وتحملها للمشقة المرافقة لحمله في جوفها. ثم تتخذ هذه العاطفة شكلاً آخر بعد الولادة وتحديداً مع الرضاعة, إذ تقترن الحاجة الفسيولوجية للتغذية والإحساس بالشبع مع الحاجة النفسية والشعور بالراحة والطمأنينة قرب الأم بدليل إن الطفل أحيانا يصل إلى مرحلة الاكتفاء الغذائي وتستمر رغبته العاطفية بملامسة الأم والبقاء بقربها.

ولاحقاً تتضاءل تلبية هذه الحاجة بشكل تدريجي بحكم اعتماد الطفل على نفسه وانفصاله عن أمه من ناحية تغذيته وحمله قبل مرحلة المشي, وهذا الخطأ الذي يغفل عنه معظم الآباء ظناً منهم أنهم يسلكون النهج الصحيح بعدم تدليل الطفل وتركه للاعتماد على نفسه, بينما الحقيقة العلمية التي تؤكد إن البناء السليم لشخصية الطفل لا يكتمل من دون جرعات مفرطة من الحب بأدواته الحسية المختلفة كالكلام والملامسة والابتسامة والحماية..., إذ لا تقل كثيراً عن أهمية الحاجات الفسيولوجية للنمو الجسمي, فالعلم يوضح إن سلامة الطفل الجسمية والنمو الطبيعي ليس مؤشراً كافياً على سلامة الطفل العامة وبالتالي على سلامته كانسان بعد النضوج, فبعض الحالات النفسية والعصبية التي يعاني منها الصغير أو البالغ نتيجة سلوكيات تربوية خاطئة تؤثر بشكل مباشر على صحته الجسدية وتجعله فريسة لبعض الأمراض المزمنة والانتقالية, فجهاز المناعة الذي تحدثنا عن وقوده الرئيسي (الغذاء الصحي) يتزود أيضاً بالطاقة من خلال استقرار الوضع النفسي, وعليه فأن التغذية العاطفية مهمة جداً لكل طفل وحتى للبالغ لكن على أن تكون بكميات ملائمة لكل فئة عمرية, وبشكل صحيح تحديداً في أوقات الترغيب أو الثناء على السلوك الجيد, وترك لمساحة العقوبة في حال أخطأ الطفل حرمانه من وجبة عاطفية كمنعه من تقبيل والدته لعدة ساعات وهذا سيجعله يقدر أهمية هذا النوع من الدعم ويتجنب الخطأ, ويمنحه عادة صحية تؤسس قاعدة متينة لشخصيته وهي نبذ العنف كوسيلة للعقوبة وتثمين العاطفة كونها عامل رئيسي في حياة الانسان, والحرمان منها يسبب أجراء لتصحيح السلوك والتزود منها للاستمرار في الحياة بشكل يضمن صحة الفرد تماماً كالتزود بالطعام والشراب لديمومة البقاء على قيد الحياة.

 إيمان كاظم