الحلقة الخامسة

أحسّت نرجس عند دخولها دار الإمام الهادي (عليه السلام) بأن هذا البيت هو مكانها الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه فلم تحسّ بأنها غريبة بل بالعكس فقد أحسّت بنشوة غامرة وفرحة لم تشهدها في حياتها وجدت رجلاً استغرقت في النظر إلى وجهه كأنها تعرفه منذ زمن بعيد كانت ملامحه تفيض بالطهر والنبل فبادرها بالسؤال: إنّي اُريد أن اُكرمك، فإيّ شيء أحب إليك: عشرة آلاف درهم ؟ أم بشرى لك بشرف الأبد ؟

فقالت دون تردد: بل البشرى.

 فقال الإمام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فقالت بعد تردد وهي مطرقة وقد تملكتها الدهشة: ممّن ؟

فقال الإمام: ممّن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له في تلك الليلة وحدد لها الزمان بالتحديد.

فقالت: من المسيح (عليه السلام) ووصيّه.

فقال: ممّن زوّجك المسيح (عليه السلام) ووصيّه؟

فقالت: من ابنك الحسن ؟

فقال: فهل تعرفينه ؟

فأخبرته بأمر الرؤيا التي رأت فيها الإمام الحسن العسكري وفيها أخبرها بكيفية قدومها إلى سامراء.

السيدة حكيمة تعلمها أحكام الإسلام

استبشر الإمام الهادي بنرجس وتحقق له الوعد الإلهي بقدوم هذه الجارية الطاهرة التي ستلد خير أهل الأرض فقال لخادمه كافور: اُدع لي اُختي حكيمة ... وما إن جاءت حكيمة حتى قال لها وكأنها على موعد مسبق معها: ها هيه.

فسلمت عليها حكيمة وعانقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً. فقال لها الإمام الهادي (عليه السلام): يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة الحسن (عليه السلام) واُمّ القائم (عليه السلام).

وبقيت نرجس في بيت السيدة حكيمة حتى زوجها الإمام الهادي من ولده الإمام العسكري وعندما حملت نرجس بولدها، خفي حملها فقد وضع العباسيون منزل الإمام الهادي تحت المراقبة الشديدة, فكان الجواسيس يترقبون كل من يأتي إليه وشددوا من مراقبتهم عليه, وقد عزموا على قتل المولود الذي سيلد للإمام العسكري .. وأخيرا حانت ساعة الولادة.

السيدة حكيمة

شرّف الله هذه السيدة العلوية الطاهرة بأن تشهد الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة لوجه الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، إذ وكّل إليها الإمام الحسن العسكري الإشراف على ولادة السيدة نرجس لابنه المهدي المنتظر, فكانت أهلاً لهذا الشرف حيث وجد فيها الإمامان الهادي والعسكري (عليهما السلام) نِعمَ الروح الإيمانية الخالصة لله فاصطفوها موضعاً حصيناً لسرِّه, ويداً أمينةً لأمانتهِ, كما كانت من سفرائهما وحملة أسرارهما, ومن المؤمنات المخلصات لهما ومن الأشخاص المعدودين ممن يثقان بهم كل الثقة ويطلقون عليهم (أصحاب السر) وكانت السيدة حكيمة منهم.

الليلة العظيمة

في هذه الليلة العظيمة استدعاها الإمام الحسن العسكري وقال لها: يا عمّة، إجعلي إفطارك الليلةَ عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تبارك وتعالى سيظهِر في هذه الليلة الحجةَ في أرضه فقالت له: ومَن أُمُّه ؟ فقال لها: نرجس ودهشت السيدة حكيمة لأنها لم ترَ أثراً للحمل عليها, فقالتُ له: ما بها أثر !! (أي ليس عليها أثر للحمل) فقال لها: هو ما أقول لكِ.

وجاءتُ السيدة حكيمة في تلك الليلة، فاستقبلتها نرجس, وجلستُ تنزع عنها نعليها كرامة لها فقالت لها السيدة حكيمة: بل أنت سيدتي وسيّدة أهلي فاستغربت نرجس من قولها وقالت لها: ما هذا يا عمّة ؟! فبشّرتها حكيمة بنور الله في أرضه وقالت لها: إنّ الله تعالى سيهبُ لكِ في ليلتكِ هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

وأفطرت السيدة حكيمة في بيت الإمام بعد صلاة العشاء ونامت قليلاً ثم قامت لتقطع بقية الليل بالصلاة وقراءة القرآن ثم جلست تقرأ التعقيبات بعد الصلاة ونرجس نائمة ليس عليها شيء ثم قامت نرجس فصلّت ونامت.

وعند الفجر خرجت السيدة حكيمة إلى صحن الدار وهي تترقب البشرى، ونرجس لا تزال نائمة، وفيما هي مستغرقة في التفكير بالمولود الجديد إفاقها من استغراقها وتأملها, صوت من ورائها: لا تعجلي يا عمّة، فالأمر قد قرُب...

محمد طاهر الصفار