الحلقة الثالثة
لم تتحدث المصادر عن حياة درّة العلماء سوى ما جاء في ترجمتها في كتاب تراجم أعلام النساء للشيخ محمد حسين الأعلمي الحائري (ج2 / ص72) ما نصه: (درة العلماء العالمة العاملة الفاضلة الكاملة الواعظة القارئة العابدة الزاهدة ذات الأخلاق الملكية والصفات القدسية طائفة بيت الله الحرام زائرة مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وقبور الأئمة (عليهم السلام) الشهيرة بـ (خانم قرائت) والملقبة بالحزينة أعلى الله مقامها)
ويعلل الأعلمي سبب تسميتها بـ (الحزينة) بالقول: (ويظهر وجه تسميتها بالحزينة من أشعارها التي أنشأتها في أواخر ديوانها (ص 162) المطبوعة سنة (1334هـ) بطهران وكانت في زمن السلطان ناصر الدين شاه)
وناصر الدين شاه كان ملك إيران من عام (1848م) وحتى (1896م) فهي قد عاشت في هذه الفترة ويظهر من خلال ترجمة الأعلمي أنها كانت على درجة كبيرة من العلم والأدب ويقاس علمها بعلماء عصرها كما نستشف من لقبها (قرائت خانم) أنها كانت واعظة مشهورة ويدلنا كذلك قولها في شعرها:
تـلامـذتـي إن تـسـألـونـي عـبـارةً * لـكـثـرةِ أشـجـانـي أجـيـبُ بـلا أدري
على أنها كانت تتصدّر مجلساً للخطابة والوعظ ــ ومن الطبيعي أن يكون هذا المجلس نسائياً ــ لكن التاريخ لم يحفظ لنا سوى بعضاً من شعرها ــ بالعربي والفارسي ـــ والذي كان كفيلاً بإيضاح بعض الجوانب من حياتها التي ملأتها الآلام والمآسي تقول في هذين البيتين الذين يضجّان بالألم:
يا حـرقـة ثـقـبـتْ قـلـبـي ولـيـسَ لـهـا * مـعـالـجٌ يـتـداواهـا ومـلـتـئـمُ
حـتـى الـمـمـاتُ بـأحـشـائـي جـراحـتُـهـا * داءٌ يـؤلّـمُ روحـي وهـو مـكـتـتـمُ
لكنها كانت تجد في ذكر النبي وآله متنفّساً لها وسلوة عما تكابده من مشقات ومصائب، تقول في ذلك:
خـلـيـلـيْ ألا تـدنـو إلـى عـيـنِ رائـقٍ * تـروَ بـكـأسٍ سـائـغٍ مُـتـورِّدِ
وأنزلْ بـهـذا الـدارِ وابـتـغِ مـنـزلاً * رفـيـعـاً وسـيـعـاً زاكـيـاً ذا تـسـدُّدِ
وجـالـسْ مـع الأبـرار واذكـر هـنـا لـهـم * حـديـثَ حـبـيـبٍ مُـشـفِـقٍ مـتـودِّدِ
فـطـيِّـبْ لـنـا نـفـسـاً بـذكـرِ نـوالِـه * وفـرِّج لـنـا هـمَّـاً بـبـشـرٍ مُـجـدَّدِ
هـوَ الأصـلُ فـي الإيـجـادِ والـكـلُّ فـرعُـه * بـمـولـدِهِ كـان اصـطـفـاءٌ بـمـولـدِ
فـاحـمـد إن كـان ابـن آدمَ صـورةً * فـفـي الـصـدقِ مـعـنـىً آدمُ بـنَ مُـحـمَّـدِ
هـوَ الـعـلـمُ الـمـأثـورُ فـي ذروةِ الـذُرى * هـوَ الـعَـمَـدُ الـمـمـدودُ فـي كـلِّ مـرصـدِ
هـوَ الـكـوكـبُ الـدُّريّ فـي وسـطِ الـسـمـا * بـهِ مـن مـضـلّاتِ الـغـواشـيَ نـهـتـدي
هـوَ الأمـنُ والإيـمـانُ والـكـهـفُ والـهُـدى * ومـن جـاءَ بـالـديـنِ الـقـويـمِ الـمـؤيَّـدِ
وعـتـرتُـه خـيـرُ الـبـريـةِ كـلـهـا * هـمُ الـعـروةُ الـوثـقـى وقـصـرُ الـمـشـيـدِ
بـهـمْ فـتـحَ اللهُ الأمـورَ بـأسـرِهـا * عـلـى الـخـلـقِ طـراً بـالـهُـدى الـمـتـمـدِّدِ
فـهـمْ حُـجـجُ الـرحـمـنِ قِـدمـاً عـلـى الـورى * وفـيـهـمْ كـتـابُ اللهِ حـقـاً بـمـشـهـدِ
مـعـانـدُهـم لـو كـانـتِ الأرضُ كـلـهـا * لـه ذهـبـاً مـلآى ودَّ لـو افـتـدي
وشـيـعـتُـهـم يـومَ الـقـيـامـةِ حـولـهـم * عـلـى سُـرَرٍ مـسـتـبـشـريـنَ بـمـوردِ
لـهـمْ كـلّـمـا تـشـهـى الـنـفـوسُ وكـلّـمـا * تـلـذّ بـه الأبـصـارُ فـي كـلِّ مـزودِ
يـقـولـونَ أتـمـمْ ربُّـنـا نـورَنـا لـنـا * فـإنـا لـهـذا الـيـومِ كـنّـا لنـغـتـدي
مـلائـكـةٌ يـسـتـقـبـلـونَ قـدومَـهـم * يـرونَـهـم الغـرفـاتِ دُرَّاً بـأعـمـدِ
يـقـولـونَ لـمّـا يـنـظـرونَ بـوجـهِـهـم * سـلامٌ عـلـيـكـمْ بـالـنـعـيـمِ الـمُـخـلّـدِ
فـلا تـمـسـكـنْ إلّا بـحـبـلِ ولائِـهـم * ولا تـذهـبـنْ عـن بـابِ آلِ مُـحـمَّـدِ
كـفـاكَ بـذكـرِ الآلِ فـخـراً ونـعـمـةً * ((حـزيـنـة)) قـومـي واشـكـري وتـهـجَّـدي
كانت تتعزى بالموت ... وبرزت هذه السمة واضحة في شعرها بعد أن بخلت عليها الدنيا بالراحة، فنشدت الراحة الأبدية كما يلاحظ من ألفاظها الموحية ودلالاتها الحزينة والمفجعة التي تصيب القارئ بالذهول والحيرة لفداحة ما ألم بها في حياتها تقول من بعض قصيدة لها:
يـا خـلـيَّ الـبـالِ أعـجـزتَ الـفِـكـرْ * صَـمَّ عـن غـيـركَ سـمـعـي والـبـصـرْ
هـجـت نـارَ الـحـبِّ فـي وجـنـتِـنـا * لِـنْ لـنـا قـلـبـاً قَـسِـيَّـا كـالـحـجـرْ
أرجـعِ الـنـظـرةَ فـيـنـا مُـقـبـلاً * لا تـدعـنـا كـهـشـيـمِ الـمُـحـتـضـرْ
لـيـسَ يـنـجـيـنـي مـن الـغَـمِّ سـوى * أجـلٌ جـاءَ وأمـرٌ قـد قُـدِرْ
ضـجَّـت الـنـفـسُ مـن الـمـوتِ أسـىً * قـلـتـهـا كـونـي كـمـنْ يـهـوى الـسـفـرْ
إنَّـمـا فـيـهـا نـزلـنـا رُحـلاً * لـيـسـت الـدُّنـيـا لـنـا دارَ الـمـقـرْ
مـضـتِ الـنـاسُ عـلـى قـنـطـرةٍ * أنـتِ تـمـضـيـنَ عـلـيـهـا بـحـذرْ
لا مـنـاصَ الـيـومَ مِـمَّـا نـزلـتْ * فـتـنـاديـنَ بـهـا أيـنَ الـمَـفَـرْ ؟
وقد ذكر لها العلامة المحقق الشيخ محمد حسين الأعلمي الحائري في كتابه (تراجم أعلام النساء) (ص72 ــ 90) قصائد عديدة في مدح ورثاء الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) باللغتين العربية والفارسية وقال في نهاية ترجمة الشاعرة: (وذكرنا بعض أشعارها في كتابنا دائرة المعارف في مواضيعها المختلفة بالمناسبة منها في (ج11/ ص268) و(275) وفي (ج12/ ص 67 ــ 68) وفي (ج16 من ص 180 إلى ص 239) في أحوال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

محمد طاهر الصفار