في بلدة نائية وعلى ضفاف البحر كانت تعيش قرية آمنة مطمئنة لا ينقصها شي سوى أمر واحد فقط وهو ظهور القمر، فقد كانت اطلالته شحيحة جداً فلا يظهر سوى مرة واحدة في كل عام.., لم يفهم سكان البلدة سبب هذه الظاهرة الغريبة، عدَّها أحدهم لعنة أصيبت بها البلدة، وقال آخرون إنها بلدة مباركة، فتضاربت الأقوال واضطربت، وفي كل مرة عندما يطل القمر كانت تقام له الاحتفالات ويبتهج بالنظر إليه سكان البلدة ويقضون تلك الليلة المقمرة في السهر حتى انبلاج الصباح.

أما من يولد في تلك الليلة فقد كانوا يعتقدون إنه الأوفر حظاً ويُسمى ب (قمر) سواء كان المولود ذكراً أو أنثى.
مرّت الأيام والشهور وكان ملك البلدة ينتظر مولوده الذي طال انتظاره، وفي ليلة مقمرة ولدت قمر بنت الملك وكانت جميلة كطلة القمر في لياليه البيض المنيرة، واحتفل أهل البلدة بمجيئها تزامناً مع القمر ومضت الأيام تلو الأيام وكبرت قمر وكانت أشد الناس حباً لرؤية القمر تنتظره في كل عام، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان فقمر البلدة لم يظهر هذا العام ولا الذي يليه، حزنت قمر وحزن أهل البلدة جميعاً ولم يتحمل الملك حزن ابنته الوحيدة، فبعث من يجوب في البلدان كي يأتي بحكيم يحل معضلة القمر.
سافر أحد شباب البلدة عبر البحار وتحمل الأخطار إلى أن وصل للقرى البعيدة وخلف البحار والتلال والجبال فرأى قمراً منيراً ولكن الغريب في الأمر إن الناس كانوا لا يأبهون له ولا يعيرونه أي اهتمام.. تعجّب الشاب الذي جاء من بلدة سماها ملكهم ببلدة القمر من شدة حب ابنته وأهل بلدته له، وصادف رجلاً تبدو علیه الحنكة والحكمة فقص عليه أمره وما رآه متعجّباً لعدم اهتمام بلدة الرجل الحكيم بالقمر فضحك الحكيم وقال للشاب:- إن أمر بلدتكم لطبيعي جداً، فهل جرّبت أن يحيطك أناس يغذونك ويرفدونك بالحب والعطف والاهتمام وأنت غير منتبهٍ لوجودهم وعندما تحين ساعة الصفر ويرحل أولئك الأحبة تتمنى أن لو قدمت لهم الكثير وتنتظر رجوعهم بفارغ الصبر، منهم من يرجع من سفره فتدارك تقصيرك اتجاهه فتنثر دربه ورداً، ومنهم قد لا يرجع فتبقى هناك كلمات في صدرك لم تخرجها وأحاسيس جياشة لم تعبر عنها واعتذارات أو استفهامات.. فأحملوا باقات الورد لأحبتكم وأقماركم قبل الأفول... قدموا كلمة اعتذار أو شكر أو عبارة حب فهي لا تخسركم شيئاً اعترفوا بمشاعركم للآخرين فربما يأتي يوم تنتظرون فيه رؤيتهم فقط ولكنكم لا تجدونهم ويغيبون عن أعينكم كغيبة القمر في تلك البلدة العجيبة .

 

هدى الحسيني