تلك المدينة التي تقبع في غياهب الفكر ..بين سرادق الحنين و خنادق الألم.. احياناً يكونُ الطريقُ إليها واضحاً منيراً.. تفوحُ الروائح العطرة من جدران مدينته على بُعدِ ألفِ ميل من الشوق، عند أول لحظة سكون و خلوّ بالنفس لنجد انفسنا بين حدائقها الغنّاء . نلتقي بوجوهِ أحبّةٍ فارقونا .. مازالت وجوههم مشرقةً و ابتساماتهم عذبة و مازلنا نحفظ أدق تفاصيل ملامحهم.. نتفقّد سويّاً الأماكن التي كنا فيها معاً.. ونسقي سويّاً حدائق ذاكرتنا لتمدّنا بالحبِّ والأمان كلمّا ضاقت بنا الدنيا.

و هناك المدن المهجورةُ بداخلنا.. ذات الطرق المتعرّجة و الملتوية.. شاحبةٌ وجوهُ قاطنيها.. تفوحُ من طرقاتها رائحة الخيبة و الانكسار.. ذبلت عل  شبابيك بيوتها زهور المحبّة و نمت أشواكُ الخيانةِ و الغدر عوضاً عنها.. كثُرت المقابر فيها و تفسّخت ذكريات كنّا نظنها جميلة ،حتى بات المرور بهذه الذكريات لا يزيدنا الا مرضاً و شحوباً.. نتفادى المرور بأزقتها ولكن لا مفر من لحظات في حياتنا تعيدنا الى هذه العتمة.. هذه الخربة التي لابد من ردمها لا بل من حرقها .. حتى إذا مررنا بقربها نجدها خاوية على عروشها.. فيكون المرور فيها سريعاً خفيفاً، لا التفات فيه.. لا أشخاص نلتقيهم ولا محطات استراحة توقفنا و تتعبنا.

 

بشرى الحسيني