من دواعي الحرية في المجتمعات الغربية أن يُسمح للمراهق أن يستقل في حياته وينشق عن أطار الأسرة, ويتخذ له سكنا آخر ويعتمد على نفسه في مواجهة ظروف الحياة, في حين إن المراهق أحوج ما يكون لجو الأسرة في هذه المرحلة الحرجة, فهو ليس مؤهل لهكذا وضع وما يدعوه للتمسك بالاستقلال هو ضمان الحرية المطلقة من متابعة الأهل وظنه الخاطئ بأن الاهتمام أحيانا قيد لا بد من الفكاك منه.

في الآونة الأخيرة ظهرت حركة واسعة لهجرة الشباب لأوربا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في أغلب البلدان العربية ولم تقتصر الهجرة على الشباب فقط بل تجاوز ذلك لهجرة العوائل واللجوء للجانب الغربي هروبا من شبح الموت وتردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الأفكار المتطرفة التي أوقعت الكثير من الشباب في فخ التطرف والإرهاب, الا إن ما كان ينتظر هذه العوائل في بلاد الغرب ليس بالصورة التي كانت ترسمها مخيلتهم بل ربما وجدوا عكس الصورة تماما فالانفتاح والحرية وشيوع الأفكار العلمانية التي تعنى بالأمور الدنيوية وعزل الأمور الآخروية هي من اكثر الأمور التي تتسم بها بلاد الغرب, وللأسف حتى الحرية التي تعتبر من أهم مفردات الحياة التي نقلها الدين الإسلامي للعالم أجمع؛ تأخذ منحى ومفهوم آخر في الغرب فتكون على شكل انفتاح وانحلال وتردي الأفكار التي تربط اعمال الدنيا بحساب الآخرة والتفكير فقط في الدنيا الوقتية, فالفكر الغربي أخذ على عاتقه الترويج لشعارات الحرية وحقوق الأنسان الذين هم أول المنتهكين لها.

ما يدعو للقلق هو تأثر الشباب العربي المهاجر بهذه الأفكار التي ربما تؤدلج المعتقدات والنظريات التي آمن بها هؤلاء الشباب بل وجعلهم أداة يضربون بها الدين الإسلامي بداعي أنه يقيد الحريات ولا يمثل انعكاس حقيقي للحياة المعاصرة, لذلك فأن هؤلاء الشباب غالبا يكونوا ضحية منظمات كبرى تتقن أساليب الترويج لأفكارها المغرضة بصورة مغرية تجعل المهاجر ينقم على بيئته التي هاجر منها ويتشبث بنداء العصرية والانفتاح جهلا بما وراء تلك الشعارات من سقوط للمفاهيم المستقيمة.

 

وإلى جانب ذلك لابد من الإشارة إلى نخبة من الشباب المهاجر الذي هاجر من أجل الدراسة وإكمال الدراسات العليا في جامعات غربية كبرى, فهؤلاء الشباب استطاعوا مؤخرا تعديل الصورة ورفع جزء من التضليل الذي ترسمه العولمة للإطاحة بمبادئ الدين الإسلامي وإيهام العالم بعدم تطابق هذا الدين مع المفاهيم الإنسانية, لذا فأن دور هؤلاء الشباب لا يقتصر فقط على منح صورة مشرفة للدين الإسلامي بل ربط المنهجية العلمية والدراسة الأكاديمية بالفكر الملتزم وإثبات شرعية الدين الإسلامي في التماشي مع الحياة المعاصرة وأنه دين وعي وسلام يحمل رسالة سماوية تُصدر منهجية تساير أي زمن, وهذا ما اثبته المفكرون المعاصرون حول النظريات العلمية التي وردت في القرآن الكريم, فكل المحاولات التي يمارسها الغرب لتشويه الفكر الملتزم ستفشل حتما في حال أستمر التصدي لها بوعي وعقيدة ارتبطت بمغتربين لم تدهسهم عجلة الغرب بتطورها السريع للإطاحة بهم .

إيمان الحجيمي