فاطمة المعصومة عليها السلام ونهجها الموروث من بيت النبوة

ذكرت لنا سيرة أهل البيت عليهم السلام _التي حققت بطولات قل النظير لها _ كل ما يتناول التفاصيل الحياتية لهم صلوات الله عليهم، فكأنما يروي لنا التأريخ والسيرة أحسن القصص عند الولوج في بحر الانوار المحمدية، نعم ان التناغم في سيرة اهل البيت عليهم السلام يعتمد على الحكمة واقتضت حكمتهم عليهم السلام بتشابه الاحداث التاريخية الى حد كبير فكانت ردود الافعال لهم صلوات الله عليهم ترتكز على النهج المحمدي الذي اعتمد الحراك الفكري السلمي في كل رسالته التي بلغ بها صلى الله عليه وآله.

واندرجت هذه السياسة التي اتخذها الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم الى من تعلم وتقرب اليهم صلوات الله عليهم أجمعين، فتكون محيط اجتماعي متميز بالحكمة والمعرفة وبعيد عن العنف وقتال السلطات على المناصب بل ان الوجهة الاساسية لهم هي التضحية والدفاع عن الحقوق الضائعة والتشهير بالظالمين لحقوق الناس .

وتظافرت مواقف التضحية على مر العصور لأهل البيت عليهم السلام واتباعهم وكانت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام العظيمة القدر ممن توالت الضغوطات عليها من قبل السلطات الجائرة كون انتسابها الى اطهر جهة؛ جهة العلم والحلم والحكمة ، فبطبيعة السلطات الجاهلة والمتجبرة ان تتخوف من النماذج المتنورة بنور محمد وآل محمد، ولذا فان اتخاذ طريقة الارهاب وسفك الدماء بحق اتباع أهل البيت عليهم السلام ليست بالجديدة المستحدثة وانما ما يواجهه اتباع أهل البيت عليهم السلام في الوقت الحديث هو عبارة عن اذناب ما تبقى من الدولة الاموية و العباسية وتبعاتهما، وكالعادة فان موقف اتباع اهل البيت عليهم السلام هو عدم انجرافهم في ظلمات الفتن وما تؤول اليه طبول المرتزقات والتحزبات كون مبدأ الحكمة والعلم هو منحاهم الذي ورثوه من البضعة الطاهرة.

وأما ما واجه السيدة العظيمة فاطمة المعصومة عليها السلام هو عبارة عن تسلط الجائر على عباد الله تعالى وانزال اشد الظلم عليهم ومحاربة معارضيه بأساليب ترق عيون السباع أمامها، فانها عليها السلام صمدت اما التجبر وصبرت صبراً عظيماً على ذلك.

وكان سر تحملها سلام الله عليها كونها كسبت علمها من اشرف المخلوقات وهم اهل البيت عليهم السلام فضلاً عن كونها أخت الامام الرضا عليه السلام وابوها الامام موسى الكاظم  ابن الامام جعفر الصادق عليهما السلام.

كانت سلام الله عليها يربطها رابطاً متيناً بأخوها الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه مما جعلها لا تتمكن من فراقه واللحاق به الى خراسان التي تسمى حاليا مدينة مشهد المقدسة وواجهتها صعوبات السفر التي اسفرت عن عدم وصولها الى أخيها الامام الرضا عليه السلام وكانت نهاية الرحلة في قم المقدسة حيث مزارها العظيم هناك، وسنذكر هنا بعض من شواهد التأريخ عن ولادتها ونشأتها ومسيرها الى مدينة قم المقدسة:

ولادتها:

ولدت السيّدة المعصومة في الأوّل من ذي القعدة 173 هـ بالمدينة المنوّرة .

أُمّها:

السيّدة تكتم.

نشأتها:

نشأت السيّدة المعصومة تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام ، لأنّ هارون أودع أباها عام ولادتها السجن ،ثم اغتاله بالسم عام 183هـ ، فعاشت مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السلام .

رحلتها إلى خراسان:

اكتنفت السيّدة المعصومة - ومعها آل أبي طالب - حالة من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان .

فقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها الإمام الرضا عليه السلام أنّه سيستشهد في سفره هذا إلى طوس ، فشدّت الرحال إليه عليه السلام .

سفرها إلى قم:

رحلت السيّدة المعصومة تقتفي أثر أخيها الرضا عليه السلام ، والأمل يحدوها في لقائه حياً ، لكن عثاء السفر ومتاعبها الذينِ لم تعهدهما أقعداها عن السير .

فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة ، ثمّ سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم - وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة - فقيل لها إنّها تبعد عشرة فراسخ ، أي 70 كم ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم .

وصولها إلى قم:

حملت السيّدة المعصومة إلى مدينة قم ،وهي مريضة ، فلمّا وصلت ، استقبلها أشراف قم ، وتقدّمهم موسى بن خزرج بن سعد الأشعري ، فأخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله ، وكانت في داره حتّى تُوفّيت بعد سبعة عشر يوماً .

فأمر بتغسيلها وتكفينها ، وصلّى عليها ،ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة ، إلى أن بَنَت السيّدة زينب بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام عليها قبّة .

وفاتها:

توفّيت السيّدة المعصومة في العاشر من ربيع الثاني 201 هـ ، ودفنت بمدينة قم المقدّسة .

فضل زيارتها:

قال الإمام الجواد عليه السلام من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة (1) .

عن سعد ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال يا سعد ، عندكم لنا قبر، قلت له جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ؟ قال نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة(2) .

قيس العامري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ كامل الزيارات : 536 .

2ـ بحار الأنوار 48 / 317 .

gate.attachment