واقعة أُحد تضحيات ثابتة لنصرة الإسلام

ان المتتبع لسيرة الرسول الأعظم صلوات الله عليه سيجد بين تداخل الاحداث لسيرته نكات خفية لم يسلط عليها الضوء بالشكل المسهب ومثال ذلك واقعة أحد، فالكل يعلم ان هذا الواقعة لم يكن النصر لصالح المسلمين وكان سبب انتكاس جيش المسلمين هي عدم الدقة في اطاعة اوامر رسول الله صلى الله عليه وآله والقصة معروفة، لكن لم تركز لنا كتب التأريخ على تفاصيل كانت حاسمة في واقعة احد او بصيغة أخرى لم يسهب الكتّاب في قضايا سياسة النبي وحروبه من الجانب السياسي والتحليل لتلك الوقائع.

فيمكن ان يتناول المحلل التأريخي الكثير من القضايا في تلك الحقبة التاريخية مثلاً : واقعة احد التي نركز عليها الموضوع، كونها ثبتت مواقف للمسلمين بل قد تكون هي ابرز المواقف التي احزنت رسول الله صلى الله عليه وآله ومنها استشهاد حمزة عليه السلام عم النبي محمد صلى الله عليه وآله حيث سببت شهادته ثغراً في هيكل جيش المسلمين لما كان يمتلكه حمزة بن عبد المطلب عليه السلام من الشجاعة وصلابة الايمان ولما ارتكزت عليه كفّة من جوانب جيش المسلمين العسكري والفكري .

وايضا لا يخفى على المتتبع للتأريخ حيث تم التركيز على قضية مخالفة بعض ممن اعتمد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الواقعة لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وذلك عندما طلب صلى الله عليه وآله من سرية مكونة من خمسين جندي من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بعدم النزول من الجبل حتى تأيهم الأوامر من رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة ولكن لم يتم أخذ الاوامر على مستوى الجدية المتناهية مما قلب معادلة المعركة لصاح المشركين وحوكمة سيطرتهم في ساحة القتال ممنا ادى الى التدهور المفاجئ في صفوف المسلمين.

وعلى اثر ذلك برزت البطولات المتجسدة بالامام علي عليه السلام وبعض من اصحابه الذين لم يتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله ودافعوا عنه دفاعاً مستميتاً ففي رواية عن الصادق عليه السلام يقول فيها  : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه واله فغصب غصبا شديدا ، و كان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق ، فنظر فإذا علي عليه السلام إلى جنبه ، فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك ؟ فقال علي عليه السلام يا رسول الله أكفر بعد إيمان ؟ إن لي بك أسوة ، فقال : أما لا فاكفني هؤلآء ، فحمل علي عليه السلام فضرب أول من لقى منهم ، فقال جبرئيل عليه السلام : أن هذه لهي المواساة يا محمد ، قال : " إنه مني وأنا منه " قال جبرئيل : وأنا منكما .

فلم يكن بالاختيار السهل لو تعرض اي منا لهكذا موقف فالرواية تثبت ان البعض من صفوف المسلمين لاذو بالفرار خوفا على حياتهم وبقى بعضهم للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وابرزهم الامام علي بن ابي طالب الذي حارب حتى كسر سيفه فعن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما كان يوم أحد انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وأبودجانة سماك بن خرشة ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : يا بادجانة أما ترى قومك ؟ قال : بلى ، قال : الحق بقومك قال : ما على هذا بايعت الله ورسوله ، قال : أنت في حل ، قال : والله لا تتحدث قريش بأني خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق ، فجزاه النبي صلى الله عليه وآله خيرا ، وكان علي عليه السلام كلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات حتى انكسر سيفه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يارسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي ، فأعطاه عليه السلام سيفه ذا الفقار ، فما زال يدفع به عن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أثر وأنكر ، فنزل عليه جبرئيل وقال : يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي عليه السلام لك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما ، وسمعوا دويا من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي . (1)

مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الأحداث ومع ذلك لم تذهب الرحمة والرافة من قلبه فقد كان ارحم بالناس من انفسهم ففي الروايات ان عند رجوعه صلى الله عليه وآله الى بيته وهو مصاب بجرح في وجهه يقطر دماً فكان يمسحه بيده ويرميه الى الاعلى وقال في ذلك الصادق عليه السلام : والله لو سقط منه شيء على الارض لنزل العذاب .

قال أبان بن عثمان : حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة ، قال : قلت : كسرت رباعيته كما يقوله هؤلآء ؟ قال : لا والله ما قبضه الله إلا سليما ، ولكنه شج في وجهه قلت : فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله صار إليه ، قال : والله ما برح مكانه ، وقيل له : ألا تدعو عليهم ؟ قال : " اللهم اهد قومي " .

الكاتب: قيس العامري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): البحار ج20 ص 70

gate.attachment