الامام الحسين" عليه السلام" في كتابات المستشرق كارل بروكلمان من خلال كتابه في تاريخ الشعوب الاسلامية... دراسة نقدية

       تعد كتابات المستشرقين واحدة من اهم المواضيع في وقتنا الحاضر، وذلك لان العديد من الباحثين ينظرون الى المستشرقين جزء من الحركة التاريخية التي تركت اثرها في الحضارة العربية الاسلامية، كما يعود لهم الفضل في مد جسور التواصل والتفاعل الحضاري بين حضارات العالم القديم، ولكن هذه كتابات لا تخلو من الشطحات والتفسيرات التي لا تستند على روايات صحيحة.

        وقد كتبَ المستشرقين كثير من الأدبيات عن الامام الحسين "عليه السلام" ، حتى أصبحت هذه الأدبيات اليوم تستعصي على الحصر، ولا يهمنا في هذه المقال تراث المستشرق كارل بروكلمان المتصل بتاريخ الشعوب العربية الاسلامية بحد ذاته،  بل غايته تتبع كتابات كارل بروكلمان في موضوع " ثورة الامام الحسين في كتابة تاريخ الشعوب الاسلامية " ، مع إبراز موقفه من تلك الثورة.  

الامام الحسين "عليه السلام في تاريخ الشعوب الاسلامية

         لقد تناول كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الشعوب الاسلامية، الثورة الحسينية معتمداً على التفسيرات التي لا تستند على وقائع ثابتة او روايات موثوقة وعدها أساسا لبناء الثورة الحسينية، واجتهد في اثارة الشكوك في الثورة، وقد اثار الشك في الاسس الفكرية لثورة الامام الحسين الاصلاحية. اذ يرى كارل بروكلمان ان الامام الحسين "عليه السلام " قد خرج طالباً للسلطة والدنيا أي حسب وجهة نظره ان الامام "عليه السلام" كان غروراً وان خروجه كان من اجل مصلحة شخصية اذ قال في كتابه " ... فاستجاب الحسين لهذا الاغراء ولكنه لم يجد في العراق التأييد الذي توقعه.." ([1]) ، بينما يوضح الامام الحسين ان الهدف الرئيسي من الخروج هو :" إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي" ([2]) اي لم يكن خروج  الامام "عليه السلام" غروراً وتكبراً او من اجل مصلحة شخصية، ولم يكن ممن ارادوا ان يعيثوا في الارض فساداً، او كانت له الرغبة في سلطة او جاه، بل كانت الغاية من خروجه "عليه السلام"  لطلب الاصلاح في امة جده، أي أن هدفه هو الإصلاح ، فكان الامام "عليه السلام" يعلم اَن لا اصلاح للفساد المستشري في الدولة الا بالثورة على الظلم والفساد فيها حتى وان كلفه ذلك اقصى ما يملك .

         ثم يبين كارل بروكلمان مرة اخرى  بقوله:" ... فقد أبى ان يستسلم لعمر بن سعد، مبالغاً في اتكاله على الحصانة التي كان يتمتع بها بوصفه حفيد الرسول." ([3])  لا شك في أن الامام "عليه السلام" كان يعلم يقيناً بخروجه انه مقتول، بل يعلم أن مقتله بكربلاء مع جمع من خيرة الرجال من أهل بيته وأصحابه، في رواية عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا: " لقينا الحسين بن علي قبل خروجه الى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة وان قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء"  فقال عليه السلام: " لولا تقارب الاشياء وهبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم الا ولدي علي"([4])، بمعنى اخر ان الامام الحسين "عليه السلام"، لا يعتمد على نسبه بشكل مباشر، بل كان نسبه الشريف من بين اهم الوسائل التي حاججهم بها قبل ان يستحلوا دمه من اجل القاء الحجة عليهم .

        يستمر كارل بروكلمان في عرض الثورة الحسينية ولكن هذا العرض ممتلئ بالشطحات والتفسيرات لا تستند على روايات موثوقة، اذ وصل الامر به الى التزوير عن قصد الحقيقة التاريخية وهذا ما أكده في قوله :" ... ثم انهم حملوا رأسه الى يزيد فحزن حزنا عميقاً..." ([5])، لماذا جهل كارل بروكلمان ما قاله يزيد بن معاوية عندما رأى الرؤوس؟ وهو يعتقد انه اخذ الثأر من الامام علي ابن ابي طالب بقتله للأمام الحسين،  بقوله "... لأهلوا واستهلوا فرحا   ثم قالوا يا يزيد لا تشل..."([6]). وهل يعتقد كارل بروكلمان بان يزيد بن معاوية بن ابي سفيان بريئ من قتل الامام الحسين؟، واذ كان بريئ ما هو موقف الشيخ محمد بن احمد بن عثمان الذهبي من يزيد بن معاوية الذي وصفه بانه:" كان ناصبيا ، فضا ، غليظا... افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، وختمها بواقعة الحرة..."([7] )  .

         يجب ان نفهم حقيقة وهي ان كل ما كتبه المستشرق كارل بروكلمان عن ثورة الامام الحسين "عليه السلام" حاول من خلالها هدم معالم الثورة الاصلاحية بصورة مباشرة او غير مباشره، حيث انه يؤكد في التفسيرات تجاه الثورة الحسينية حيث يقول:"  وامر بارجاع العلويين الذبن نجوا من المذبحة الى المدينة وبإكرامهم. "([8]) نود ان نؤكد لــ" كارل بروكلمان" عندما امر يزيد بإرجاع اهل بيت النبوة الى المدينة لم يكن تحننا منه على بيت النبوة "عليهم السلام"  بل كان على فضيحة وهذه الفضيحة قامت بها السيدة زينب الطاهرة "عليها السلام" بإظهارها الى الراي العام الحقيقة التي قتل من اجلها حفيد الرسول محمد "صلى الله عليه واله" فكشفت الحقائق، وذلك من خلال خطبها التوجيهية والارشادية لعامة المسلمين اذ قالت ليزيد:" ...أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد.. ([9]).

        ان تسليط الاضواء على هذه الشطحات التاريخية التي رسمها كارل بروكلمان في كتابه عندما يقول:"  والحق ان ميتة الشهداء التي ماتها الحسين والتي لم يكن لها أي اثر ساسي " ([10])   هل كان كارل بروكلمان مقتنعا بما كتبه؟ لم يعلم ان الثورة قدمت مادةً غزيرةً بفكرها السياسي الاسلامي، وكانت عاملاً اساسياً لتغذية الثورات لما لازم الناس من الشعور بالإثم تجاه تقاعسهم عن نصرة الامام "عليه السلام"، مما نجم عن ذلك دافع قوي للانتقام من الامويين فتفجرت الثورات ابتداءا من واقعة الحرة، واقتحام مكة، ومرج راهط، والتوابين، وثورة المختار ... وغيرها

         اضف الى ذلك، ان المستشرق الالماني كارل بروكلمان كان يروج الى امر خطير جدا الا وهو اتهامه لمذهب التشيع بالفرس وذلك متمثل بقوله:" قد عجلت في التطور الديني للشيعة، حزب علي، الذي أصبح في ما بعد ملتقى جميع النزاعات المناوئة للعرب. واليوم لا يزال ضريح الحسين في كربلاء اقدس محجة عند الشيعة، وخاصة الفرس.." ([11])هناك حقيقة الا وهي، أن تكون عربياً لا يعني أنك أفضل من الأجناس البشرية الأخرى، ولذلك ان حملة العنصريين للتشكيك في الانتماء الشيعة بانهم ليسوا من العرب، هذا لا يقلل من انسانيتهم ومكانتهم ووطنيتهم، فكلنا أبناء آدم وآدم من تراب، نقول للمستشرق كارل بروكلمان إن مذهب الشيعة ليس حالة طارئة على الإسلام ، ولم يتطور التشيع في عهد الامام الحسين بل كان في عهد النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" والذي عمل على إرساء دعائمه، لان مذهب التشيع هو رسالة السماء، فيروي لنا الشيخ محمد ناصر الدين الالباني وهو من ابرز علماء السنة الحنابل في كتابه المعروف بعنوان الالباني يذكر عن طريق ابراهيم بن انس الانصاري عن ابراهيم بن جعفر بن مسلمة عن ابي الزبير عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه (واله) وسلم ؛ فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال النبي - صلى الله عليه(واله) وسلم  :"قد أتاكم أخي" . ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال" والذي نفسي بيده ! إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة . ثم قال : إنه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية"([12]).

  وبذلك يمكن ان نصل الى نتيجة الا وهي  ان كارل بروكلمان قد بالغ في وصفه ان يزيد بن معاوية كان حزينا على مقتل الامام الحسين "عليه السلام"، وكان يشك في صحة ثورة الامام وقد اثبتنا ذلك خلال النصوص التاريخية التي اكدت على مشروعية الثورة، كما ان كارل بروكلمان  حمل النصوص العربية اكثر من معناها فبادر في تفسير احداث التاريخ الاسلامي على اساس الاهواء التي كانت تسكن كارل بروكلمان وحقده على تاريخ التشيع، كما بينا التشويهات التي وضعها كارل بروكلمان في تاريخ الثورة الحسينية سواء بصورة مباشره او غير مباشرة من خلال تأثره بالبيئة التي عاشها كارل بروكلمان ، والمدارس التي درس فيها، كما انه اعتمد على نصوص تاريخية  في تدوينه لثورة الامام "عليه السلام"  على مصادر كانت معادية لثورة الحسينية وسلم بها.

 

جعفر رمضان

([1] ) كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الاسلامية، ترجمة نبيه امين فارس ومنير البعلبكي، ط5،( بيروت: دار العلم للملايين،2001) ، ص 128

([2] ) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، ج44، ص 329-330

([3] ) كارل بروكلمان ، المصدر السابق، ص 128

([4]) محمد باقر المجلسي،  المصدر السابق، ج44، ص36

([5] ) كارل بروكلمان ، المصدر السابق ، ص 128

([6] ) عبد الله البحراني، الامام الحسين،( قم المقدسة، 1986م)، ص 54

([7] ) محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، سير اعلام النبلاء، تحقيق شعيب الارنؤوط،( بيروت: مؤسسة الرسالة، 1996)، ج4، ص 36-38.

([8] ) كارل بروكلمان ، المصدر السابق ، ص 128

([9] ( احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، تحقيق محمد باقر الخرسان،( بيروت: دار النعمان، 1966)، ص 33-37.

([10] ) كارل بروكلمان ، المصدر السابق ، ص 128

([11] ) كارل بروكلمان ، المصدر السابق ، ص 128.

([12] ) محمد ناصر الدين الالباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة "واثرها السيئ على الأمة"، (الرياض: مكتبة المعارف، 1992م) ج 10 ص598 -  599 .

gate.attachment