اللذات الروحية في الآيات القرآنية

  عندما يريد العبد العاشق لربه أن يطهر روحه ويزكي أعماله ليصل بذلك الى محبوبه , لابد له من أن ينشر كتاب الله بين يديه ليتزود من علومه ومعارفه التي سيجدها وسيلة لتهذيب النفوس وتكامل الارواح وتنمية مكارم الاخلاق وتقوية عامل التقوى عند الانسان , وسيجد فيه انذار للناس كافة ليراقبوا افعالهم واقوالهم وسلوكهم ليصلوا بذلك الى السعادة الابدية التي يحصلون عليها في الدار الاخرة.

  ان الآيات القرآنية تحمل رسالة تربوية هامة لها ابلغ الاثر في تنويرالقلوب بنور التقوى والهداية وتدفع الانسان الى القيام بمسؤولياته على اكمل وجه لتوصله الى طريق السعادة والتكامل .

  ان الناس يردون المحشر على صور مختلفة بما يتناسب مع اخلاقهم وطباعهم فالذين لهم قلوب مملوءة بنور الايمان تظهر وجوههم بيضاء ونورانية منيرة , وبعكس ذلك القلوب المظلمة للذين كانوا يعيشون في ظلمات الكفر فتظهر وجوههم سوداء مظلمة كما قال تعالى في كتابه الكريم (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ *وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

  وقال تعالى في موضع آخر فيما يتعلق بمصير المذنبين والظلمة (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

  ان الجنة والعطاء الالهي فيها ما هو الا مظهرا كاملا من مظاهر القدرة واللطف الالهي , وبما ان لا نهاية لقدرته ولطفه تعالى فكذلك لا نهاية ولاحد لعطاياه ومواهبه في الجنة .

  ان النعم الروحية والمعنوية للجنة افضل واسمى واعظم بمرات ومرات من النعم المادية والجسمية نظرا لكون الروح اسمى واشرف من الجسم بمرات ومرات.

  أن لذة ادراك معرفة اللّه ومافيها من نفحاته الجلالية والجمالية وانوار الطافه الخفية , والسكر من ارتشاف كاس العشق لذاته المقدسة تعادل بل وتفوق اللحظة الواحدة منها كل النعم المادية في هذا العالم.

  قد نشعر نحن احيانا في هذه الدنيا ببعض الامثلة الواهية جدا لهذا الموضع وهو ما يلوح للإنسان حين يختلي مع ربه للعبادة فيستغرق مع ربه ناسيا الدنيا وما فيها فيذوب في لحظات قصيرة في جمال اللّه الذي لا مثيل له , لاسيما اذا كان ذلك في بعض الاماكن ((المقدسة )) كجوار الكعبة او في عرفات والمشعر وامثالها من الاماكن الخاصة بالعبادة فيشعر الانسان بنوع من اللذة التي لا يتأتى لأي قلم او بيان وصفه.

  تصور لو ان هذه المشاعر تحصل وبشكل اكثر قوة بآلاف المرات وتستمر لساعات وايام وليال واشهر وسنوات متواصلة , كيف سيكون الحال ؟خاصة مع انعدام عوامل الغفلة عن ذكر اللّه وزوال المسببات التي تعصف باستقرار القلب وحضوره , وانكشاف الحجب وموانع المعرفة من امام الابصار , حيث يصبح ادراك الانسان وبصيرته اشد واقوى ولا وجود هناك للهواجس الشيطانية التي تتربص دوما لسالكي هذا الطريق .

  يمكن حينذاك تصور ما يجري هناك وماهي الجلبة التي تثيرها النعم المعنوية , وماهي النفحات الجذابة التي تستقطب الروح الى جوار قرب اللّه ,وتجعلها غارقة في انوار ذاته وغافلة عن ذاتها حتى يصل بها الحال الى عدم رؤية ما سواه ولا تطلب سواه , ولا ترى الا ما تحب وتحب كل ما ترى .

  أن في كتاب الله وآياته إشارات الى تلك النعم الالهية نجدها في قوله تعالى:

  (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الزمر ـ73.

  وقوله تعالى (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (*) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)الآية 23 سورة الرعد

  وقوله تعالى (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس 8

  وقوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).137 الانعام

  وقوله تعالى : (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ).يونس 25

  وقوله تعالى(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) الدخان ـ51

  وقوله تعالى(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).النساء 69

  وقوله تعالى(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (*) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) الواقعة

  وقوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الزخرف ـ70.

  وقوله تعالى (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ)15 آل عمران

  وقوله تعالى(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (*) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة ـ22 ـ

  وقوله تعالى (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).الشورى 22

  وقوله تعالى(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الم السجدة ـ17.

  وقوله تعالى : (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا).الرعد 35

منتدى الوارث من العتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment