الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 26 محرم الحرام 1438هـ الموافق 28 تشرين الأول 2016 م

ونحن نعيش في ذكرى الإمام السجاد عليه السلام وهو من أركان واقعة الطف والمشهد العاشورائي نبقى في هذا المشهد العاشورائي وعلى النحو التالي :

طبعاً الإمام السجاد عليه السلام كان من الشهود المهمين في واقعة الطف وهذه المكانة التي كان فيها عليه السلام مارست دوراً في غاية الاهمية في تثبيت اركان المشهد العاشورائي او بتعبير آخر ساعدت في تثبيت أركان المشروع الحسيني .

الإمام الحسين عليه السلام حمل شعاراً واضحاً ألا وهو " أني لم اخرج إشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي" ، وكان الإمام الحسين عليه السلام مصلحاً بما لهذه الكلمة من واقعية وهو قادر على الاصلاح وتهيأت له جميع أسباب الاصلاح الى ان جاء يوم العاشر من المحرم .. يوم العاشر من المحرم ادّى الامام الحسين (عليه السلام) رسالته الاصلاحية بشكل واضح لأنه في يوم العاشر من المحرم تكلم بكلام واسع وفي اكثر من خطبة انه لابد ان يلتفت الاعداء الذين هم امامه الى احقيته والى انه هو اولى بقيادة الامة باعتبار انه هو واخوه الامام الحسن (عليهما السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اوصى بهما ومن قبله امير المؤمنين (عليه السلام) وبدأ يستشهد بمجموعة حوادث لكن للأسف لم يكن في هؤلاء آذان صاغية .

نصف المشروع الحسيني اُنجز في يوم العاشر من المحرم ، هذا المشروع لا شك يحتاج الى ان يكتمل المشهد بشكل كامل ..

نقول ان الامام الحسين (عليه السلام) قد اتم مشروعه الاصلاحي حتى عندما نأتي بعد 14 قرناً وندرس مشروع الامام الحسين (عليه السلام) نراه مشروعاً حيّاً ومشروعاً فيه كل مقومات النجاح .

ما بعد عاشوراء حديثنا قبل العاشر من المحرم حديث الماضي وتكلمنا عن بعضه سابقاً..

 

ما هو دور الامام السجاد (عليه السلام) ما بعد واقعة عاشوراء ؟

المشهد لم ينتهي والطريقة الاصلاحية لم تنتهي لإنه انتقلت طريقة المواجهة لطريقة اخرى ظاهرها يظهر انتصار لحكومة الوقت وحالة من الانكسار لمشروع سيد الشهداء (عليه السلام) ، نلتفت قطعاً ان الامام الحسين (عليه السلام) يقرأ ما ستؤول اليه نتيجة الامور لماذا؟

الامام الحسين (عليه السلام) شاهد عصر بمعنى ان العصر الذي عاش فيه الامام الحسين (عليه السلام) بالنسبة له عصر واضح من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والى امير المؤمنين (عليه السلام) والى الامام الحسن (عليه السلام) هذه عملية الميل عما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امر واضح عند سيد الشهداء (عليه السلام) .

العدة التي هيأها الامام الحسين (عليه السلام) تتناسب مع جسامة ما آلت اليه الامور وبالنتيجة مسألة الاصطدام مسألة حتمية لا يمكن ان تفسّر أي حركة بالشكل الذي كان واضحاً عند سيد الشهداء (عليه السلام) .. مسألة الاصطدام مع الجيش الاموي ومسألة الانكسار والقتل جداً واضحة عند الامام الحسين (عليه السلام) .. نعم.. قد تكون غير واضحة عند البعض الذي لم يتنور بأنوار سيد الشهداء (عليه السلام) فبدأ يوجه نصيحة اذهب لليمن او لعلك تذهب الى الجبال .. الامر غير واضح عند هؤلاء.. ولذلك الامام الحسين (عليه السلام) كان يجيبهم بإجابات حسب قدرتهم وشأنيتهم على الفهم .. الامر عنده (عليه السلام) واضح وهذا المشروع مهم يحتاج ما بعد عاشوراء ان يتهيأ له شخص بمستوى الامام الحسين (عليه السلام) وان تكون له قدرة ان يستوعب بل ان يكون جزء من هذا المشروع ولولا العناية الالهية وتخطيط سيد الشهداء (عليه السلام) لكان الامام زين العابدين (عليه السلام) من شهداء واقعة الطف..

حالة المرض التي مر بها الامام زين العابدين (عليه السلام) وقسوتها عنده هي التي منعت.. لأن هؤلاء قتلوا الطفل الرضيع وقتلوا كل احد وكان شعارهم لابد ان يستأصلوا هذا البيت عن بكرة ابيه جاءتهم فرصة الى ان يقتلوا سيد الشهداء والنبي وامير المؤمنين كل احد .. فكانت هناك فرصة سانحة ان يجهزوا على بيت النبوة .. لكن الله تعالى والامام الحسين (عليه السلام) يعلم ان مصير هذه الامور الى اين ستنتهي على قسوة ما حدث..

فلذلك قام الإمام السجاد  (عليه السلام) بانه نهض بهذا الاكمال لمشروع هو وعمته زينب عليها السلام مع العلم ان زينب عالمة غير معلمة وتعلم ان جزء من وظيفتها ان تحافظ على الامام السجاد (عليه السلام)  .. وزينب ضمن وظيفتها عليها السلام ان هناك كيان اسمه زين العابدين لابد ان تحافظ عليه بالإضافة الى بقية العائلة ..

والامام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف عندما حاول ان يتقوى بسيفه..الإمام السجاد (عليه السلام).. الامام الحسين (عليه السلام) قال : اُخية زينب احبسيه لئلا ينقطع نسل آل محمد..

لاحظوا الطريقة التي أُدير فيها هذا المشروع..وجود العائلة الكريمة مع سيد الشهداء هذا الوجود سيجرأ الناس على ان تتكلم حتى في محضر الطغاة.. وهذا الوجود  نعتقد ان اهل البيت اشد غيرة من أي احد لكن عندما تكون هناك مصلحة عليا والامام (عليه السلام) جعل هذه العائلة شاهداً وتحاول ان تثبّت احقية ما سيأتي..

لاحظوا الإمام زين العابدين (عليه السلام) ماذا صنع في الشام.. حقيقة الشام ليس لها علاقة بآل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا من قريب ولا من بعيد.. لا تعرف شيئاً .. كل الفكرة والاعلام مسخّر الى ان هؤلاء خوارج ظهروا على الامير وانتصر عليهم الامير فلابد ان نحتفل وان نجعل عيداً..

التفتوا الى نكتة مهمة في خطبة الامام (عليه السلام) في الشام ولعلها تختلف عن خطبته في الكوفة .. والفقرات المنقولة لنا الامام السجاد (عليه السلام) لم يتحدث عن الامام الحسين (عليه السلام) اصلاً والبقية يتحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن امير المؤمنين وعن فاطمة الزهراء واخرها يقول انا إنا حتى ضج الناس بالبكاء ماذا قال؟ لم يذكر الرواة ماذا قال.. ولماذا ضج الناس بالبكاء .. ثم يقول الراوي لاحظوا حتى خشي يزيد الفتنة..

والإمام عندما تكلم أراد ان يبين يا معاشر المخدوعين المغرر بكم انتم لا ترتبطون بإسلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هؤلاء سُراق وليس لهم علاقة بالإسلام هؤلاء يضحكون عليكم وليس المشكلة عندنا القتل فالقتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة..المشكلة انتم يا معشر الامة المنحرفة التي تجرأت على فعل شيء وهي لا تفهم..

لاحظوا قوله (عليه السلام) من جملة ما ذكر :

(( أيها الناس، أعطينا ستاً، وفضلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين )) ، هذه لا يملكها احد مجتمعة .

الآن بحمد الله تعالى ابنائنا المرابطين بساحات القتال هؤلاء استفادوا وملكوا الشجاعة وهذا الشجاعة اهلتهم لأن يسترخصون الموت بل في بعض الروايات لأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كأنهم يستأنسون بالموت كاستئناس الطفل بمحالب أمه..هؤلاء الاعزة الان دعائي ودعائكم وكل وجودنا لهم.. لابد ان لا نغفل عن ذكرهم اطلاقاً كلما مررنا بحديث عاشوراء لابد ان نتوجه الى جبهات القتال ونرى هذه الصورة المشرقة التي انعكست من عاشوراء على نفوسهم الطيبة الطاهرة..

ثم قال الإمام السجاد (عليه السلام) : (فضلنا بأن منا النبي المختار محمد (صلي الله عليه وآله)، ومنا الصدّيق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرسول، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنا سبطا هذه الأمّة، وسيدا شباب أهل الجنة)..

وقال (عليه السلام) : (فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: أنا ابن مکة ومني، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن ‌من‌ حمل الزکاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير ‌من‌ ائتزر وارتدي، أنا ابن خير ‌من‌ انتعل واحتفي، أنا ابن خير ‌من‌ طاف وسعي، أنا ابن خير ‌من‌ ‌حج‌ ولبّي...)

وقال (عليه السلام) : (أنا ابن علي المرتضى أنا ابن ‏من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا اللَّه أنا ابن من ضرب بين ‏يدي رسول اللَّه سيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع ‏البيعتين و قاتل ببدر و حنين و لم يكفر باللَّه طرفة عين أنا ابن صالح ‏المؤمنين و وارث النبيين و قامع الملحدين و يعسوب المسلمين ونور المجاهدين و زين العابدين و تاج البكائين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين أنا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين و الناكثين و القاسطين و المجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين...)

اخواني لاحظوا تاريخياً لم يقم احد من مجلس يزيد ويقول للإمام (عليه السلام) : (كلامك غير صحيح).. ابداً .. لم يجرؤ احد ان يقول للإمام (عليه السلام) كلامك غير صحيح استحوذ عليهم الامام ببلاغته وانبئهم وجعل العالم والغافل ينتبه.. هذا الكلام اول مرة نسمع به فنحن لم نسمع به اصلاً هذا كلام جديد فثغرت افواهها لا يفهمون شيئاً ..

والروايات تقول إن الإمام السجاد (عليه السلام) استمر يقول انا انا حتى ضج الناس بالبكاء .. وخشي يزيد ان تكون فتنة فأمر المؤذن ان يؤذن حتى يقطع كلام الامام (عليه السلام)..

قبل ان انتهي اخواني اود ان انبه الى نقطتين:

النقطة الاولى: كلامي ودعائي الى اصحاب المواكب الحسينية المباركة والاخوة الاعزاء الذين يتهيأون للمشي المتعارف لزيارة الاربعين وهي المسيرة الراجلة..

نتمنى من الله تبارك وتعالى سلامة جميع الزائرين وان يجعلهم الله تبارك وتعالى في أمن وامان، ونتمنى منهم ان يقضوا هذه الفترة في المشي بأن يقضوها في الدعاء المتواصل لأخوتهم المقاتلين في ساحات القتال وان تتحرر جميع مدننا وان يجعل هذه السواعد سواعد مفتولة للحق دائماً وان يوفقهم للنسر و يسدد رميتهم وان يوفقهم ان يتجنبوا اصابة أي مدني من المدنيين فاننا قلنا سابقاً ان انقاذ مدني واحد افضل من قتل مجموعة من الارهابيين..

النقطة الثانية: ان هؤلاء الارهابيين قد يستهدفون التجمعات وخصوصاً التجمعات الحسينية كعادتهم سابقاً فعلى الاخوة الاعزة اصحاب المواكب ان يعملوا عملين العمل الاول خدمتهم والعمل الثاني ان يزدادوا يقظة وحذراً في مناطقهم ومواكبهم بحيث لا يسمحوا لأي اختراق لا قدر الله ان يكون بالاستعانة بالاخوة في الاجهزة الامنية والذين لديهم خبرة في ذلك..

نسأل الله تعالى ان يحمي الجميع وان يرينا في بلدناً فرجاً عاجلا ًوالحمد لله رب العالمين..

 

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment