الواصلة القرآنية – بداية سورة الرحمن اختيارًا

               

                                                    

     تبرز أهمية البحث عن "الواصلة القرآنية" بوصفها ظاهرة قرآنية تجاور "الفاصلة القرآنية" لا يفصل بينهما سوى رقم الآية، إذ لها أهمية عظيمة في توجيه النص فعليًا واسميًا، وربط السياق النصي للفاصلة قبلها بالسياق النصي للفاصلة بعدها.

   ويهدف هذا المقال إلى إضافة مصطلح قرآني يجاور " مصطلح الفاصلة القرآنية" يفسّر الترابط الإيقاعي ، والدلالي بين الآيات القرآنية في السورة القرآنية ، وذلك من مصاديق المقاربة والمفارقة بين الأدب العربي والقرآن الكريم بلحاظ أنّهما نصّان للغة واحدة.

      وعلى هذا يمكن فهم "الواصلة القرآنية" على أنّها: الوحدة المعنوية التي تُوصِل الفاصلة القرآنية بالآية القرآنية بعدها مثال/ الواصلة الفعلية "علّم" و "خلق" في قوله تعالى من سورة الرحمن: " الرحمن۝ علّم القرآن ۝ خلق الإنسان" ([1]) ، فهذه الواصلة القرآنية تربط الآيات بإيقاع فعلي متواصل صادر عن الله سبحانه وتعالى بوصفه فاعلًا يقع فعله على هذه المفاعيل التي تمّ ترابطها إيقاعيًّا ، رغم أنّها تعد من مكونات الفواصل القرآنية وهما هنا "القرآن" و "الإنسان" ؛ فقد تواصلت بفعلية الواصلتين القرآنيتين "علّم" و "خلق" ، فهذا الربط الإيقاعي ليس اعتباطيًّا أو شكليًّا فقط ، بل هو ترابط تركيبي ودلالي وسياقي، أسس الاستهلال القرآني لسورة الرحمن بهذه الفعلية الإلهية المطلقة من قيود الزمن ، والمتناسبة وحركية رحمته التي هي مطلع هذه السورة وعنوانها .

   ويتعزز هذا الترابط في الآية الرابعة التي تبدأ بالواصلة القرآنية "علّمه" في قوله تعالى: ((علّمه البيان)) ([2]) ،  فتكرار الحدث بالعِلْمية و الاتصال بالضمير "الهاء" العائد على الإنسان يعزز الترابط النصي بين الآية السابقة واللاحقة، ويجعل من الفواصل القرآنية حلقات متواصلة معنويًّا، ولغويًّا ، ومن أظهر ما يبرّز أهمية الواصلة القرآنية هو تبادل الاسمية والفعلية بين الفاصلة القرآنية في الآية الخامسة في قوله تعالى: ((الشمسُ والقمر بحسبان)) ([3]) ، فالمصدر "حسبان" - وهو يمثل الفاصلة - يتضمن دلالة الفعلية ، واسم "الشمس" تمثّل الواصلة، بينما في الآيات الأربع الأولى من سورة الرحمن ؛ كانت الفاصلة اسمية ، والواصلة فعلية، وهنا حدث تبادل للوظائف ، وهو نوع من أنواع التضافر النصي،

[1] ) سورة الرحمن: 1-3.

[2] ) سورة الرحمن: 4.

[3] ) سورة الرحمن: 5.

والترابط الجملي بين الآيات القرآنية، وما يشفع ارتكاز الترابط على علاقة الفاصلة بالواصلة هو عدم وجود الوصل بالواو في واصلة الآية الخامسة ، وقد أعاد النص القرآني نسق الجملة في الآية الخامسة و في الآية السادسة، وهو قوله تعالى: (( والنجمُ والشجرُ يسجدان)) ([1]) ، وهنا ظهرت "الواو" بوصفها الواصلة القرآنية التي ربطت بين الآيتين المتعاقبتين، فبالإمكان تصور النص القرآني في بنيته المصحفية من مسارين متوازيين هما: نظم جمل الكلام، ونظم آيات السور، ومن أبرز الباحثين الذين تحدّثوا عن هذه البنية المتضافرة هو الدكتور محمد مبارك في كتابه (دراسات أدبية لنصوص من القرآن) ([2])؛ تحت عنوان : النظم القرآني- تركيب الآية والجملة في القرآن الكريم.

     وقد تردد هذا التناسق في الآيات اللاحقة متضافرًا بين الفاصلة والواصلة ؛ وهو تضافر بين الفعلية والاسمية، ومن هنا يصح أن يكون لدينا تصور لطرفي الترابط بين الآيات القرآنية "بداية الآية ونهايتها"، وبين ألفاظها ودلالاتها، وهو أمر لم تحيط به الدراسات السابقة إحاطة متضافرة؛ بل ركزت على مصطلح الفاصلة القرآنية ودورها فقط.

    وفي نهاية هذه المقالة العلمية أقول : إنّ استحداث بعض المصطلحات من أجل ترميم النظرية الأدبية والفنية للنص القرآني ؛ لهو من أجلّ المهام التي يجب أنْ يتصدى لها المختص بهذه الجوانب اللغوية والأدبية والفنية، والله تعالى ولي التوفيق.

                                              

   

[1] ) سورة الرحمن: 5.

[2] ) ظ: دراسات أدبية لنصوص من القرآن، الدكتور محمد مبارك، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، حارة حريك، شارع عبد نور، بيروت/لبنان، ط: الخامسة، 1419هـ ، 1998م: 134 – 160.علمًا أن الطبعة الأولى صدرت منه سنة 1964م.

: م.د. حاكم فضيل الكلابي : دار القرآن الكريم