السلام عليكم أصادف أحيانا بعض الشخصيات متقلبة المزاج، بمجرد ان أجلس معها في البداية؛ مثلا ولمدة عشر دقائق تكون في حالة انفتاح ومرونة وتفاعل، ولكن بعد ذلك تكون على النقيض تماما ومنزعجة, وبحكم عملي في إحدى الدوائر الحكومية التي تستدعي التواصل مع المراجعين أود السؤال عن سبب ذلك, وتوجهت لمركزكم لاستشارتكم عن كيفية التعامل مع هكذا نمط من انماط الشخصية ولكم جزيل الشكر.

 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته... وردنا هذا السؤال أكثر من مرة لما يسببه من إحراج على الطرف الأخر كونه لا يفهم سر التغير المفاجئ, ولأهمية الرد عليه سنستعرض العوامل المؤثرة في تلك الشخصية والأسباب وكذلك العلاج.

 

عوامل وأسباب الشخصية المزاجية:

1.    الوراثة:

 قد تكون الام مصابة اثناء فترة الحمل بالاكتئاب الذي قد يؤدي الى المزاجية، فيتأثر الطفل مباشرة وتتشكل شخصيته عندما يولد في بيئة خصبة لذلك. فعند الاحتكاك بذلك الشخص المزاجي عليك ان تتفهم وضع وحالة الشخصية المزاجية، بدلا من الشعور بالضيق والقلق من بعض التصرفات او الشعور بالذنب، لظنك ان التغير المفاجئ الذي اصابه هو بسببك، وضع في اعتبارك انه قد يكون فيه خلل هرموني وراثي وهذا خارج عن الارادة، وتقلب المزاج انما هو لفترة معينة وسيزول، وعندما يكون المزاج متقلبا دعه وشأنه وابتعد عن محادثته حتى تعود الى وضعه الطبيعي، فلا تثقل عليه بالسؤال ولا تثقل على نفسك بالمحاسبة والشعور بالذنب.

2.    البيئة والمحيط:

عندما نلتقي بجماعة من الافراد ويسيئ احدهم الى الاخر بكلمات جارحة، فأن مزاج ذلك الشخص سيتبدل بسبب ذلك المزاح الجارح الذي يكون بحجة تلطيف الاجواء، الا ان التبرير بالمزاح وتلطيف الاجواء لا يتناسب مع محاولة ايذاء الاخرين وكسرهم، فهذا ليس بمزاح وانما تنفيس عما بالداخل، فالمؤمن يمزح ولكن لا يجرح. المحيط والبيئة الاجتماعية لهما تأثير واضح في الشخصية وخصوصا عندما يكون احد افراد المحيط الاجتماعي كالأصدقاء مزاجيا، فان الشخص القريب من هؤلاء الاشخاص قد يكتسب هذه الصفة الخلقية، فتكون المزاجية سمة من سمات شخصيته.

3.    الفكر والمعتقد السلبي:

بعض الاشخاص يحملون افكارا ومعتقدات سلبية، ولديهم دائما سوء الظن بالأخرين، فعندما يسمع احدهم شخصا ما يتحدث عن ظاهرة او سلوك سلبي، وينتقد من يسلك ذلك السلوك مباشرة، فهذا الشخص يجزم بأنه المقصود من ذلك الانتقاد فيقول" ذلك الشخص كان يقصدني بحديثه، وذاك يقصدني بحركته" وكل ذلك بسبب ما يحمله من معتقدات سلبية عن نفسهِ والاخرين. والفكر والمعتقد السلبي يقضي على ذلك الشخص من الداخل بتحوله بتلك الافكار والمعتقدات على المدى المستقبلي الى انسان اما مريض جسديا او نفسيا، فعلى الانسان ان ينتبه لنفسه فلا يجعل افكاره السلبية تسيطر عليه وتحوله الى انسان مزاجي متغير الاطوار.

 

علاج الشخصية المزاجية:

حتى نساند الشخص الذي وصل مزاجه الى حد المرض نحتاج الى عدة امور منها:

اولا- نحاول ان نسانده بشتى الاساليب الممكنة، سواء كانت المساندة من الام او الاخت او الزوجة او الزوج او الاصدقاء.

ثانيا- اللجوء الى ذوي الخبرة والاختصاص، كالاستشاري النفسي الذي يقدم له العلاج عن طريق التفريغ الوجداني والتعبير عما في نفسه من كبت وحرمان وضغوط، او عن طريق العلاج بالأدوية والعقاقير الطبية التي تؤدي الى الموازنة وضبط الخلل الهرموني الذي يؤدي الى تحسين الحالة.

ثالثا- اذا كان المحيط او البيئة التي يعيشها المريض استفزازية نحاول بقدر المستطاع التفاهم مع هؤلاء الاشخاص الاستفزازيين ليقللوا من اساليبهم السلبية، فإذا كان هذا الشخص هو الزوج مثلا فعلى الزوجة:

1.    اختيار الوقت والمكان المناسب.

2.    التحدث معه حول المشكلة التي حصلت بأنها مشكله لا تستدعي التهويل واثارة العصبية من اجلها.

3.    اختيار الكلمات اللطيفة والجميلة لأنها مفتاح القلب، والتركيز على إيجابياته لكي يتقبل الحوار، والابتعاد عن الكلمات الجارحة والسلبية التي تزيد من حدة المشكلة.

4.    في حال عدم توفر المكان المناسب، او رفض الشخص للحوار، فبالإمكان كتابة رسالة بكلمات جميلة تخاطب بها الدوافع النبيلة فيه، وتذكر فيها الموقف الذي يحصل بينهما، وتربطه بالأثار المترتبة على صحته موضحة خوفها على مصلحته، ومن الجميل تقديم هدية مع هذه الرسالة.

فالمسألة تحتاج الى صبر لكي يتجاوب هذا الشخص الذي عاش في بيئة استفزازية واثرت عليه اثرا بالغا، فمن الصعوبة تغييره في ايام معدودة، بل عليها التدرج الى ان تتمكن من الوصول الى درجة يتغلب فيها على هذه السلبيات او بعضها.

وحتى نستطيع مقاومة الشخص الاستفزازي في البداية نحاول التغاضي والتجاهل عن السلوكيات الاستفزازية، وعدم لفت الانتباه لها، فقد يكون اسلوب الاستفزاز نوعا من لفت الانتباه للتعبير عن الحب، لأنه ربما لا يمتلك الاسلوب الامثل للتعبير عن هذا الحب الا بأسلوب الاستفزاز لكي يتجاوب معه الطرف الاخر، فاذا كان الزوج او احد الابناء بهذه الكيفية، فانه لديه خلل ما وبحاجة لإشباع نفسي.

وفي النهاية المساندة له وذلك بالتقرب منه واحتواؤه بالحب والاحترام، ومحاولة معرفة الاسباب الكامنة من وراء هذا الاسلوب، للتغلب على هذه الحالة المزاجية، فاذا كان هناك مثلا طالب يحاول نشر الفوضى في الفصل الدراسي، وتكرر منه رمي الكتاب على الارض اثناء شرح الدرس مثلا، هنا نستخدم معه احد الاسلوبين السابقين.

 

الاستشارية حنين الحسناوي / مركز الإرشاد الأسري