ترقدُ على القبَّةِ بسلامٍ، تتدفَأ ببريقِها الذهبيِّ، يزعجُ أجفانَها ضوءٌ ساطعٌ.. تفتحُ عينيها لترى شعاعاً مقبلاً من بعيدٍ ، رفرفتْ بجناحَيها مُتّبِعةً ذلكَ النورَ ... وصلتْ إلى هناكَ فرأتْ قلادةً فضيةً تَشُعُّ في صحراءٍ.. تقرَّبتْ منها نظرتْ إليها بتمعُّنٍ محرِّكةً رقبتَها كأنَّها تتفحَّصُ تلكَ الخطوطَ عليها، حملتْها وسارتْ بها إلى البعيد. 

رفرفرتْ بجناحِيها مستقرةً هناكَ حيثُ نافذةٌ لصفٍ مدرسيٍّ، نظرَتْ إلى طفلةٍ ذاتِ أحدَ عشرَ ربيعاً، بريقُ تلكَ القلادةِ الفضيِّةِ لفَتِ انتباهها .. بدأتْ تنظرُ للحمامةِ بإبتسامةٍ زهرية
أخذتها تلكَ الصورةُ إلى حيثُ كانتْ تدرسُ مع والدِها،
ترتِّلُ معَه آياتِ ربِّها... تكرِّرُ سورةَ النصرِ سألته : أبي لماذا تكرِّرُ اليومَ سورةَ النصرِ كثيراً ؟ لننتقلْ إلى سورةٍ أخرى...
نظرَ بعيداً في الفراغِ وأجابَها : بُنَيتي لأن للنصرِ حلاوةً لاتوصَف
هل تعلمينَ يافاطمة لما نزلت : " إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتح " دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وقال : " إنه قد نُعِيَتْ إليَّ نفسي " ، فبكتْ ثم ضحكتْ ، وقالتْ : أخبرني أنه نُعيتْ إليهِ نفسَه فبكيتُ ، ثم قال : " اصبري فإنكِ أوّلُ أهلي لحاقاً بي " فضحكتُ.
تعجبتْ من حديثِ أبيها : أبي لماذا تذكرُ هذا الحديثَ اليوم؟
ابتسم الأب ثم قال لها: قومي لنرى حماماتِكِ فقد يكنَّ بحاجةٍ إلى شيءٍ ما.
انسابتْ دمعةٌ منها وهي تذكرُ كيفَ استشهدَ بعدَ أيامٍ قلائلٍ من تلكَ الحادثة
قطعَ عليها ذكرياتها هديلُ الحمامةِ التي تقفُ خارجاً كأنَّها تُواسِيها
انتهى الدرسُ وخرجتْ بنقابِها مع أختِها من بابِ المدرسةِ، كانتِ الحمامةُ لا تزالُ تنظرُ إليها تراقبُ خطواتِها إلى المنزلِ،
وصلتْ فاطمة الى منزلِها لترَى تلكَ القلادةَ عُلّقتْ على غصنِ شجرتِها القريبِ اقترَبتْ منها .. نظرتْ إلى الحمامةِ التي عزمتْ على الرحيلِ تابعتْ جناحَيها المحلقين في الأفق، قبَّلتِ القلادةَ وضمَّتها إلى صدرِها أغمضتْ عينيها قائلةً بفرحٍ : شكراً يا أبي أن أرجعتَ إليَّ هديتي سأحتفظُ بها مثلما حفظتُ نقابي

عادتْ الحمامةُ ترفرفُ بجناحِيها لتستقرَّ على تلكَ القبَّةِ من جديدٍ... قبَّةُ سيِّدِ الشهداء وتغفو بالقربِ منه بسلامٍ مُودِّعةً تلك الروحَ التي غادرتْها إلى ضريحِ الشهادة، منتهيةً من رحلةِ عملٍ كانتْ فيها رسولَ اطمئنانٍ على ابنةِ الشهيدِ الشيخ حيدر العامري

 

ضمياء العوادي