صادفتُ ؛ قبل مدة ؛ امرأةً لا تتحدث إلاّ بذكريات الماضي ، نعم .. أنها ( المرأة ـــ الماضي ) .. أنها " كُنا وكانوا " .

كانت تتحدث بإسهاب عن الأشخاص ؛ الحالات ، المواقف التي مرت بحياتها وبأدق تفاصيلها ، رغم أنها ليست بالكبيرة في العمر! .

حاولت مراراً وتكراراً أن أوصل لها رسالتي في " أن في العمر بقية " و " ما دمنا نعيش ؛ فإن الحياة لم تنتهي ؛ فلنفكر بالأمس فقط " .. لكن دون جدوى ، فهنالك ومع الأسف مَن يُغلق مسامع قلبه وبصره عن اللحظة الآنية والمستقبلية دائماً .

فكان هذا اللقاء تذكرة لي .. أحببت أن أطرحها للمباحثة مع ذاتي ، فكانت هذه الحوارية .

بداية .. لماذا لا أقول : " كنا وكانوا وسأكون " !!

نعم .. للذكرى صورٌ لها رائحة الماضي وعبقٌ لا يُمحى من المخيلة مهما حاولنا أن ننساه او نتناساه ، وسيظل عبيرها باقٍ .

نعم .. ليس جيدا أن نعيش بعالم الذكريات لأن بعضها يجعلنا نجتر الألم والحزن والتعاسة ! .

مؤكد جدا .. إننا حاولنا معرفة كم تأخذ ذكرياتنا من مساحة في صندوق ذاكرتنا ، وكم حاولنا ان نفرغ ذاكرتنا وملؤها بما هو نافع ومفيد ! وكم حاولنا أفراغها وإعادة تحميلها ! .

عند هذه المحاولات والأمنيات ؛ سندرك ان الحكمة من الذكريات لا تكمن في سجننا فيها او ألعيش في قوقعتها التي لا تسمح لحاضرنا أو مستقبلنا من الدخول لنافذتها واختراقها ، لأن الماضي أنما هو أداة لصناعة حاضر جميل ومخطط لمستقبل أفضل بالاستفادة من العثرات السابقة .

ولكن ثمة من يصرخ في داخلنا : " أن هذه العثرات تحتل مساحة من ذاكرتي ! وشئت أم أبيت ؛ ستطفو على السطح ؛ المؤلمة منها والمفرحة ، خصوصاً لو واجهنا موقفاً مقارباً لموقف ماضي " .

نعم ... قد يستيقظ احدنا ويرى أنّ الوقت قد فات وقد تخلّف عن الركب ! خصوصا امام ذكرياته المؤلمة مما يتمنى ان يمسحها نهائياً ، ولكن علينا ان نعي أن من نعم الله علينا ؛ بقاء هذه الذكريات ـــ على ألمها ـــ كي لا نعاود ارتكاب أمثالها عندما نتذكر مرارتها وألمها وذلك باستذكار قوله تعالى: (( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )) (الحديد ـــ 23) .

كما أننا نحتاج في بعض الأحيان إلى إعادة أنفسنا إلى الماضي الجميل خصوصا امام فداحة ما نشاهده من حالات تغلق علينا منافذ الأمل في تغيير الواقع وحنيننا إلى الأيام الخوالي وافتقادنا إليها بما يجعلنا نتمنى أن نعيش فيها، بل ونستذكرها دائماً بما ينسينا الم الحاضر والخوف من المستقبل .

كما ان من الجيد استذكار الذكريات الجميلة وشحن الطاقة منها ؛ ولكن ثمة ذكريات يجب أن لا نعطيها مساحة من الذاكرة ؛ مثل الذكريات المؤلمة والمسيئة من الآخرين لنا ؛ كي لا تمنحنا طاقة سلبية لحياتنا ولأهدافنا وتطلعاتنا المستقبلية ؛ بل كي تغدق علينا بروح التسامح من خلال اعتبارها مرحلة زمنية وتجربة تعلّمنا منها الصحيح من الخطأ ، والصواب من الانحراف.

 

زهراء حكمت