في مجتمعاتنا وجهات نظر مختلفة ، وأذواق متنوعة ؛ ونجد هذا الأمر في كل مكان وعلى كل المستويات ، فلو تشابهت الأذواق لبارت السلع - كما يقولون - لكن في موضوع الزواج يكون الأمر أكثر تعقيداً وصعوبة ؛ فنجد المرأة تُفضّل الزوج المنضبط والشديد في أيام الخطوبة .. وتشعر بكل أمر ونهي منه أنه يزيدها فخراً واعتزازاً بنفسها وبين الأخريات لأنه يحبها ، ويخاف عليها ، ويغار، ويحرص ... إلى آخر القائمة التي تذكرها يومياً أمام قريناتها بأنه فعل كذا، وقال كذا ، ومنعني من العمل الفلاني، وكل ذلك عندها مقبولا ومدعاة للسرور وتنفذه وهي في قمة السعادة وذروتها .. إلى هنا الأمر جيد جداً بل ممتاز ، ومن المؤكد أنكم توافقون على ذلك ، لكن !

ما إن تتزوج وتسكن معه بالعش الذهبي وتنتهي أيام العسل وشهوره الجميلة .. حتى تبدأ بالشكوى ، والتذمر ، وندب الحظ العاثر : هو يمنعني من ممارسة حريتي .. هو يقيدني .. هو يأمر وينهى بلا شعور بالتعب والألم .. هو يخرج ويعود دون أن يلتفت لحاجتي لتواجده في البيت .

ولو أخذنا رأيه لقال : أتعبتني في حياتي .. تريد كل شيء أن يكون جاهزا .. لا تشعر بتعبي بالعمل .. لا تتجمل لي كما كانت تفعل.. ولا تهتم بما أريد وأحب وأرغب .. إلى آخر القائمة مما له وما لها من شكاوى .. والمصاب الجلل أن الأمر قد يتطور بدخول الأطراف المتعددة من أهله ومن أهلها ، وهنا انقسمت العائلة هذا يقول : معها الحق ، وذاك يقول : الحق معه .. وهذا حال بعض الأسر والزيجات.. طبعاً لا أعمم الأمر لكن هو أمر وواقع بعضنا يعيشه ويراه أمام ناظريه ويسمع به . ونتساءل : ما السبب في ذلك؟ هل هو سوء الاختيار، أم سوء التعامل، أم عدم الإحاطة بالثقافة الزوجية؟ ولكي لا يكون الزواج كلوحة جميلة أعجبنا فيها إتقان الفنان لتنسيق ألوانها، ولكن بمجرد أن اشتريناها وعلقناها على الحائط لم نعد نراها بنفس الشغف الذي أسرنا أول الأمر لأننا امتلكناها وأصبحت بمتناول اليد متى ما أردنا ذلك، وقد نترك التراب يتراكم عليها لأننا نفتقد معرفة قيمة ديمومتها. وسأدخل إلى بعض الأسباب لذلك، ومنها:

1- عدم تجديد الشحن في الحياة الزوجية بين مدة وأخرى لتحديث الحياة وتطويرها، لكي لا يسبب لهم الملل والروتين ؛ مثل النزهات والكلمات اللينة.. وإلا قد يؤدي الأمر إلى أن يجد كلٌّ منهما بديلاً عن الآخر بصفحات الفيس بوك أو غيرها.

2- عدم الاتفاق المسبق والالتزام به ؛ كالدوام، أو الدراسة للمرأة، أو التواصل مع الوالدين، خاصة إن كان أحدهما مريضاً يحتاج لمتابعة ورعاية. ومع ذلك نرى أن من الحري بالمرأة عدم التسويف لطلبات الرجل بالتعذر بكثرة الالتزامات.. روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «إن امرأة أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض الحاجة، فقال لها: لعلك من المسوِّفات. قالت : وما المسوِّفات يا رسول الله؟ قال: « المرأة التي يدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوّفه حتى ينعس زوجها فينام ، وتلك لا تزال الملائكة تلعنها حتى يستيقظ زوجها» (1)

ولذا أكد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) وبأحاديث كثيرة على حق الزوج من الناحية النفسية والعاطفية على الزوجة وتشعره بالاكتفاء والسكن النفسي والاستقرار الروحي، الذي إذا تحقق للرجل تهيأ للعبادة والإبداع في عمله، وسارت عجلة حياته نحو الأمام بعيداً عن مشاكل البحث عن زوجة أُخرى أو مسالك البحث عن الحرام. وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ): « لا تؤدي المرأةُ حقَّ الله عز وجل حتى تؤدي حق زوجها » (2) .

وقد يكون الزوج هو سبب في ذبول الطاقة في نفس زوجته وتناقص رغبتها بالاهتمام بنفسها وجمالها، من خلال تحميلها ما لا تطيقه من أعمال المنزل الشاقة والمستمرة أو العمل خارج المنزل ولساعات طويلة وإرهاقها في مشاكل أُخرى تجعلها في حزن وهم وتعب ونصب، فتذبل كما يذبل الورد، وتذهب نضارتها الباعثة للجذب، ويقل شذى عبق ريحانها الذي ينبعث من قلبها العطوف والرقيق.. وهذا ما أكده سيد الأوصياء أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله لولده في وصيته له: « وإن استطعت أن لا تُملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنه أدوم لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك ». (3)

 

(1) ( عوالي أللآلي: 3/310)

(2) (مستدرك الوسائل: 14/257) 

(3) (مَن لا يحضره الفقيه: 4/392)

 

زهراء حكمت