مما لا شك فيه ان كل أنسان لابد وأن مر في يوم من الأيام في مرحلة معينة جعلته يفقد الرغبة في متابعة حياته على النحو الذي أعتاد عليه بسبب شعورٍ ما, فنحن البشر على اختلاف اشكالنا ودياناتنا ولهجاتنا وعاداتنا وميولنا نشترك بأمور كثيرة غالبا تلتقي في منطقة الشعور, ومن هنا فأن التفاعل الحسي بين البشر غالبا يكون في لحظة قراءتنا لما  يكتبونه, فالكتابة هي عملية تدفق للمشاعر وترجمة للأفكار وإيقاع حسي يناغم الروح وهي واقعا علاج روحي يمكنه المساعدة في تجاوز أزمات الإحباط والتعب والحزن.

ربما يقول البعض إن الكتابة حكرُ على أصحاب الملكة ولكن يبدو الأمر هنا فيه شيء من عدم الموضوعية حيث إن الكتابة ليست بالضرورة أن تكون كتابة إبداعية ولا أن تكون موجهة لجمهور معين يكفي أن نكتب لأنفسنا وكأننا نخبر ذواتنا بما يدور في مكنوناتها وهذا الأمر في حد ذاته هو احد طرق العلاج النفسي الذي يعتمده علم النفس في ترميم الذات الإنسانية حيث توصلت الكثير من الدراسات الحديثة إن الكبت هو أحد أكثر الأسباب التي تجعل الإنسان مهيأ للأمراض العضوية فضلا عن النفسية منها. لذا فقد ذكرت إحدى الدراسات بأن الإنسان بحاجة دائما للبوح والتعبير عن نفسه بصدق وعمق ولعل انجع طريقة يمكن البوح من خلالها دون محاذير هي الكتابة ثم الكتابة. وفعلا طُبقت هذه النظرية على الكثيرين حيث شرع البعض بالكتابة لنفسه عن نفسه في قصاصة صغيرة سرعان ما يتلفها بعد البوح أو حتى يحتفظ فيها, وبعد فترة وجيزة تخلصوا هؤلاء الأشخاص من ذاكرتهم السلبية وبدؤوا بالتحرر من قيود الكبت ونشأ تفاعل ملحوظ بينهم وبين عالمهم الخارجي.

فالكتابة والقراءة وجهان لراحة واحدة, فأن تُعجب بما تقرأه حد الدهشة.. يعني أن لك عالما آخر اكثر هدوء تلجأ إليه, ولك وسادة وثيرة من الكلمات يمكنك أن تغفو عليها دون أن يرهبك أرق الملل.. لك زاوية في أقصى العالم الآخر يمكنك أن تكون فيها حاكم العزلة ويمكنك أيضاً ان تألف أشخاص لا تعرفهم بل تتقمصهم حد الجنون.. ترتدي انكساراتهم وتخلع الأنا وتشرع لاحقا بكتابة سطور تترجم فيها ما اختزنت من ثروة القراءة.

فما بين الكاتب والكتابة علاقة أزلية كعلاقة الداء بالدواء فالحياة مهما اصابتنا بعللها فثمة أول العلاج وآخره ... الكتابة.

 

إيمان الحجيمي