معاوية هذا الإسم الذي إن دلّ على شيء فإنه يدل على كل رذيلة وجريمة وبائقة...، الفاجر والغادر والمنافق الذي لم يدخل الإسلام إلى قلبه، بل إن ما ارتكبه بحق الإسلام ما لا يحصى من الجرائم والموبقات وأعظم جرائمه محاربته الله ورسوله ووصيه وقتل كبار الصحابة الأجلاء.

إن من أعظم الإساءة إلى الصحابة الأجلّاء أن يُصنّف هذا الإسم بينهم وهو عدوهم وقاتِلهم، وقد جاء وصف هذا المجرم ـ معاوية ـ بؤرة الغدر والجبن والخسة والنذالة وشبهة النسب وذكر بعض بوائقه ومخازيه في نهج البلاغة حيث وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بما نصه:

(وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ) وهذا القول لا يحتاج إلى تفسير

كما أكد حديث رسول الله على نفاق معاوية بقوله (صلى الله عليه وآله): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)، واستند الكثير من الصحابة على هذا الحديث لمعرفة المنافق كما ورد جابر بن عبد الله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي ذر الغفاري قولهم: (كنا نعرف المنافق ببغضه لعلي)، وقد أمر (ص) بقتله لو رآه المسلمون قد تصدى للحكم فقال: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).

ونفس المضمون جاء في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) (أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ ويَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ ولَنْ تَقْتُلُوهُ أَلا وإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي والْبَرَاءَةِ مِنِّي). فأعظم ما ابتلي به المسلمون هو في فترة حكم معاوية.

دارمية الحجونية

إن شبهة النسب التي عُرف بها معاوية والبيئة السيئة الموبوءة بالرذائل التي نشأ بها جعلت من فترة حكمه فترة خروج ليس عن الإسلام فقط، بل خروج عن المنظومة الأخلاقية البشرية والانسلاخ من كل القيم والمبادئ الإنسانية.

ومن مواقفه المخزية التي سوّدت وجه التاريخ موقفه باستدعائه إحدى نساء الشيعة الفاضلات والتعرّض إليها بالكلام القبيح وهذا ما جُبلت عليه نفسيته الدنيئة، ولكن هذه البطلة ألقمته حجراً وردت إليه الصاع صاعين وأخزته في مجلسه وأمام جلسائه.

دارمية الحجونية من التابعيات الفاضلات المؤمنات اللواتي كان لهن مواقف مشرّفة مع أمير المؤمنين في صفين وكانت أيام معاوية طاعنة في السن تسكن الحجون وهي منطقة قريباً من مكة فلما حج معاوية سأل عنها فقالوا له بأنها لا تزال على قيد الحياة، فأمر باستدعائها فلما حضرت قال لها: كيف حالك يا بنت حام؟

وكانت دارمية سوداء اللون سمينة فقالت: لم يكن نسبي من حام، بل أنا امرأة من كنانة.

فقال لها: هل تعلمين لم بعثت إليك ؟ قالت: يا سبحان الله العظيم لا يعلم الغيب إلا الله. فقال: بعثت أسألك علامَ أحببتِ علياً وأبغضتني، وعلام واليته وعاديتني ؟ فقالت: أو تعفيني من ذلك ؟ فقال: ما كنت بفاعل ولا أعفيك. فقالت: (أما إذا أبيتَ عليَّ فإني أحببت علياً لعدله في الرعية، وقسمته بالسوية. وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك. وطلبك ما ليس لك. وواليت علياً على حبه المساكين، وإعطائه أهل السبيل، وفقهه في الدين، وبذله الحق من نفسه، وما عقد له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الولاية، وعاديتك على إرادتك الدنيا، وسفكك الدماء، وشقك العصا).

انتفخت أوداج معاوية غضباً من كلامها وجرأتها على قول الحق. فقال لها وقد تجرّد من كل ما يجب أن يتحلّى به الإنسان من الحياء: فلذلك أنتفخ بطنك وكبر ثديك وعظمت عجيزتك !!

أنظر إلى معاوية وهو يظهر على حقيقته الخسيسة ومعدنه الدنيء وأصله الموبوء وقد رُبيَ في حجور العهر والفسوق والفجور وهو يوجه هذا الكلام إلى هذه المرأة المؤمنة الصالحة، وهذا دليل العاجز عن رد الجواب باللجوء إلى هذه الأساليب الدنيئة ؟

لكن هذه المرأة الفاضلة وهي من أشراف بيوت العرب ترد عليه وتتعرّض لأمه آكلة الأكباد فقالت له: يا هذا بهند والله يضرب المثل ...

هنا اصطدم معاوية بالحقيقة، حقيقة أمه التي اشتهرت بين العرب فحاول أن يأوّل حديثه في محاولة فاشلة فقال لها: يا هذه ارفقي فإني لم أقل إلا خيراً إنه إذا أنتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا كبر ثديها حسن غذاء ولدها، وإذا عظمت عجيزتها ثقل مجلسها.

ثم قال لها: هل رأيت علياً قط ؟ قالت: أي والله لقد رأيته. قال: كيف رأيته ؟ قالت: رأيته شثن القدم والكف، لم يعبأ بالملك، ولم تشغله النعمة. فقال لها: فهل سمعت كلامه ؟ قالت: نعم. قال: كيف سمعته ؟ قالت: كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست من الصدأ.

 

محمد طاهر الصفار