عزبَ الرقادُ فمقلتي لا ترقدُ   ***   والليلُ يصدرُ بالهمومِ ويوردُ

يا آلَ مذحجَ لا مقامَ فشمِّروا   ***   إن العدوَ لآلِ أحمدَ يقصدُ

هذا عليٌ كالهلالِ تحفّه   ***   وسطَ السماءِ من الكواكبِ أسعُدُ

خيرُ الخلائقِ وابن عمِّ محمدٍ   ***   إن يهدكمْ بالنورِ منه تهتدوا

مازالَ مُذ شهرَ الحروبَ مظفّراً   ***   والنصرُ فوق لوائهِ ما يفقدُ

 

هذه الأبيات تردد صداها في فضاء صفين بين الصفين وسمعها الجيشان بصوت نسائي مفعم بعطر الولاء الصادق الخالص لأمير المؤمنين (عليه السلام) فكان وقعها على طرفي نقيض على الجيشين، فقد أغلت الدم والحماس في صفوف جيش علي (عليه السلام) وشدّت من عزيمتهم وإصرارهم على قتال أهل البغي والضلال، فما انتبه جيش معاوية إلا وسيوف الحق على صدى حروف هذه الأبيات وهي تقرع رؤوسهم.

لقد جهرت حنجرة هذه السيدة العظيمة بما أشرق في داخلها من حب وولاء ووفاء لأمير المؤمنين فصاغت لقومها هذا النشيد الحماسي الخالد لتستثير نفوسهم وتستنفر هممهم، فأيّ موقف أعظم وأروع من هذا الموقف حين تدعو هذه المرأة أبناءها وأخوتها وأهل بيتها للتضحية والفداء وإرخاص الأرواح في سبيل العقيدة والمبدأ؟

كان ذلك الصوت الذي صدح بهذه الأبيات هو صوت السيدة الجليلة أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية، وهي من نساء الشيعة الفاضلات اللواتي اشتهرن ببلاغة منطقهن ومواقفهن الشريفة المشرّفة والمشرقة مع الحق وولائهن لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فكانت أم سنان تحرّض جيش العراق في سوح الوغى وتحضّ الرجال على قتال معاوية وشهدت لها أيام صفين الكثير من المواقف العظيمة روتها المصادر ومنها موقفها وأبياته هذه.

وصفتها المصادر بأنها: (شاعرة عربية معروفة بفصاحة اللسان، والشجاعة والجرأة. وهي من المواليات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد حضرت معه واقعة صفين ، وانشدت شعراً تحرض به الرجال على قتال أعداء الله والصبر في المعركة).

بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وفدت هذه المرأة على معاوية تشكوه ظلم عامله مروان إياها فواجهها بقولها الذي تحرّض فيه عليه وتحضّ على قتاله في صفين وتدعو إلى نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم تنكره بل قالت: (لسان نطق وقول صدَق) وقد أورد قصة المحاورة كاملة السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) (ج٣ص٤٧٩).

ومن شعر أم سنان قولها لما سمعت بفاجعة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان وقع هذا المصاب عظيماً عليها ومؤلماً لقلبها فأنّت طويلاً لهذا المصاب الجلل فقالت في رثائه (عليه السلام):

أمّا هلكتَ ابا الحسينِ فلم تزل   ***   بالحقِ تُعرف هادياً مهديا

فاذهب عليك صلاةُ ربِّكَ ما دعتْ   ***   فوق الغصونِ حمامة قمريّا

إذ كنتَ بعدَ محمدٍ خلفاً كما   ***   أوصى اليكَ بنا فكنتَ وفيا

فاليومَ لا خلفٌ يؤمّل بعده   ***   هيهاتَ نأملُ بعده إنسيا 

 

محمد طاهر الصفار