الحلقة الاولى ..

 

غصنٌ من أغصانِ شجرة النبوة، وغرسٌ من أغراس الإمامة، وبذرةٌ نمت في ظلال الوحي وتفتّحت في روضة البيت النبوي الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيرا، تشرّفت بمعاصرة أربعة من الأئمة المعصومين فبذلت لهم الولاء وسخّرت لهم كل الجهد من أجل إبقاء شعلة الإسلام ورسالة أهل البيت متّقدة في طريق الأجيال.

قُدّر لها أن تشهد الصراع العنيف بين أصحاب رسالة السماء أهل البيت وبين جبهة الكفر والضلال السلطوية العباسية فشابهت عمتها السيدة زينب بنت أمير المؤمنين في حمل أمانة حجج الله وإدائها على أفضل وجه، وكان لها دور كبير في نشر تعاليم الأئمة الأطهار فوجد فيها الإمام المعصوم نعم الروح الإيمانية الخالصة لله فاصطفاها موضعاً حصيناً لسرِّه ويداً أمينةً لأمانتهِ. 

لقد اختار الله هذه المرأة الجليلة الطاهرة النقيّة لتكون المتوليّة والقابلة لولادة بقية الله في أرضه وحجته على عباده ومن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، فكانت أهلاً لهذا الشرف، فهالات القداسة والجلال تحيط بها وتشع في روحها الطاهرة فهي ابنة إمام وأخت إمام وعمّة إمام وحفيدة إمام وسليلة سادة أهل الأرض وعمة خاتم الأئمة.

سيرة تنضح الولاء

ولدت السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد عام (216هـ) في المدينة المنوّرة، أما أمّها فهي السيّدة سُمانة المغربيّة أمّ الإمام الهادي (عليه السّلام)، وقد عاصرت السيدة حكيمة أربعة من الأئمّة المعصومين هم: والدها الإمام الجواد، وأخاها الإمام عليّ الهادي، وابن أخيها الإمام الحسن العسكريّ (عليهم السلام) وتشرّفت بالطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة لوجه الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فقد وكّل إليها الإمام الحسن العسكري الإشراف على ولادة السيدة نرجس لابنه المهدي المنتظر.

احتلت السيدة حكيمة منزلة كبيرة وعظيمة عند الأئمة (عليهم السلام) فكانت من سفرائهم وحملة أسرارهم ومن المؤمنات المخلصات لهم ففي تلك الفترة التي شدّد العباسيون من قبضتهم وبطشهم على شيعة أهل البيت ومارسوا أبشع الضغوط الاستبدادية للقضاء على أئمة أهل البيت واستئصالهم لم يكن الأئمة يكشفون عن ولادة المعصوم أو الإشارة إليه سوى لأشخاص معدودين ممن يثقون بهم كل الثقة يطلقون عليهم (أصحاب السر) وكانت السيدة حكيمة من هؤلاء الأصحاب.

السيدة المباركة

نشأت هذه السيدة الطاهرة في بيت الوحي ونهلت من منبع العلم والشرف والتقوى فكانت من العلويات الطاهرات الصالحات العابدات، وكان دور في تزويج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالسيدة نرجس أم الإمام المهدي (عليه السلام), والقيام بشؤون ولادته, وروت عن أبيها الإمام الجواد (عليه السلام) الأحاديث، كما قامت بدور الوكالة الخاصة في نقل الأحاديث والأسئلة الرسائل عنه (عليه السلام) إلى شيعته بعد أن شدّدت السلطة العباسية من رقابتها وضغوطها على تحركات العمري وكيل الإمام العسكري وعلى الإمام، فأدت دورها العظيم والخطير هذا على أكمل وجه، وكانت تكتم سر حمل السيدة نرجس بالإمام المهدي، وقد شهد لها الامام العسكري بالصلاح وكان يتفاءل بوجودها فكان يناديها بـ (المباركة)، فشابهت بدورها العظيم هذا دور عمتها السيدة زينب التي حفظت أمانة أخيها الإمام الحسين في أهله وعياله وكتم سر الإمامة من بعده والتي أوصى بها لعلي زين العابدين (عليه السلام). 

مع السيدة نرجس

بعث الإمام الهادي (عليه السّلام) بِشرَ بن سليمان النخّاس لشراء جارية روميّة وصفها له، وشرح له تفاصيل شراء تلك الجارية التي وقعت في أسر المسلمين، وبعد أن اشتراها بشر تحدّث معها الإمام وكانت تُتقن اللغة العربيّة، ثم بشرها بولدٍ يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً يولد لها من ابنه الإمام العسكري ثم أرسل إلى السيدة حكيمة فلما رأتها اعتنقتها طويلاً وسُرَّت بها كثيراً، فقال لها الإمام الهادي: يا بنت رسول الله، أخرجيها إلى منزلكِ وعلِّميها الفرائض والسُّنن، فإنّها زوجةُ أبي محمّد وأمُّ القائم عليهما السّلام. ويدلنا هذا الحديث من الإمام المعصوم على عظيم منزلة السيدة حكيمة وعلمها حينما يوكل إليها تعليم أم بقية الله الفرائض والسنن.

 

محمد طاهر الصفار