في الذكرى السنوية لبيان النصر

وهج واقعة الطف

مُذ وجد الإنسان على هذه الارض وهو في صراع ضد الشر من أجل السلام والأمان الذي لولاهما يفقد الأنسان استقراره ولن يجد سبيلا لإعمار نفسه وسواه, ولعل أكثر درساً تاريخياً يُعضد البعد العقائدي والتربوي والسياسي لهذا الكلام هو واقعة الطف التي أزاحت عن وجه التاريخ أي ملامح للذل والخنوع لتحل محلها إشراقة النصر ولو بلون الدم, إذ لم تقتصر واقعة كربلاء العظيمة على البعد العقائدي والسياسي وحسب بل تعدت أبعادها لتشمل كل أبعاد الحياة على اعتبارها حدثاً كونياً أحدث تغييراً تاريخياً - آنياً - لا يمكن زواله إلى الأبد، فما أقدم عليه الحسين (عليه السلام) رغم جميع المعطيات التي لا يمكن التغاضي عن نتائجها كان بمثابة درساً سرمدياً لتستقيم من خلاله الذات الإنسانية ولعل هذا أكثر ما يعضد تنامي النهج التربوي في هذه النهضة، وعليه فإننا يمكن أن نستخلص جملة من التوصيات غير المباشرة وربما المباشرة من هذه الفاجعة.. وأهم هذه التوصيات هي الشعور العالي بالمسؤولية إذ أسس الإمام الحسين (عليه السلام) لهذا المبدأ قاعدة صلدة لاسيما وإنه حمل ثقل رسالة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) برمتها وحفظ القرآن الكريم بدمه ودم أهل بيته وأصحابه.

أما الوصية الثانية هي التمسك بالمبدأ تحت أي ظرف بل بأقسى الظروف وأكثرها حرجاً فما قدمه سيد الشهداء من قرابين وتقبله استشهاد طفله الرضيع كونه على يقين بأن هذه الحرب سترسم صورا تعجز العقول عن تصديقها فكيف يمكن أن يُعقل أن يكون رضيعا طرفاً بحربٍ اشتعلت بشرارة رفض البيعة للظالم!

فضلا عن مناهضة الظلم بالقلب واللسان واليد وهذا أقوى الإيمان، وغيرها كثيرا من المبادئ والقيم التي تعزز بناء الإنسان تكاملياً.

 سطوع الحشد

من وحي عاشوراء وبعد أكثر من 1334 سنة عادت ملامح الطف ورجالها الأنصار بوجه آخر أسمه الحشد الشعبي أو كما يطلق عليه يقيناً بقيمته (الحشد المقدس) إذ تم إعلان فتوى الجهاد الكفائي في 14 شعبان 1435هـ الذي يقابله الثالث عشر من حزيران 2014م, عقب سقوط الموصل واحتلالها من قبل جماعات إرهابية يطلق عليها (داعش) هدفها الأول طمس الهوية الدينية وتشويهها حقداً وبغضاً بأهل البيت (عليهم السلام) وباتباعهم ومواليهم وكأن ما حدث في تلك الظهيرة عند العاشر من محرم أورثهم العداء والضغينة إلى يومنا هذا, وعليه فإن رجال العراق الشرفاء وضعوا صوب أعينهم قضية الحسين (عليه السلام) وبانها لم تحسم بعد فكل مظهر من مظاهر الظلم, وكل موقف مشوب بالغدر, وكل ضلالة واستعباد وعنف هو ذاته ما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) لمناهضته من خلال نهضته الخالدة التي ما زالت عِبرتها وعَبرتها تلوح في عقل أي إنسان يمتلك حد أدنى من الوعي والإيمان, فسلسلة التضحيات التي عكستها تلك الواقعة, ونموذج الإيثار الذي رسمه أكثر من مشهد, والعطاء الروحي والجسدي المتمثل بالقرابين المهداة إلى الله سبحانه وتعالى قربة إليه وسبيلا لحفظ دين محمد رسوله وحبيبه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هي إلا حجج ملقاة علينا في كل زمن بأن ننصر الحسين بكل موقف وفي كل حين... ننصره بنية خالصة, ننصره بكلمة صادقة, وبكف مرفوع يشهد للحق... والأهم بالدم إن تمادى أعداء الدين على حرمة المسلمين ومقدساتهم, وهذا ما أثبته حشد الله من خلال ما قدموه من صور واقعية لا يمكن إنكار سطوعها في سماء العراق حينما ذادوا عن حمى الوطن وأرخصوا له أرواحهم, وهم ينادون همساً وجهراً لضمائرهم يذكروها بأن هيهات من الذلة!

وفي حقيقة الأمر إن ما مدهم بكل هذا العزم والإقدام هو النداء ذاته الذي لم يزل عالقاً في مسامع الوجود حينما نادى الحسين (عليه السلام) نداءه الصادح " ألا من ناصرٍ ينصرنا" وتم النصر فعلاً بعد ثلاث سنوات من حربٍ طحنت بين أسنَّتها شباباً وشيباً ورجالاً وحتى نساء وأطفال... وها نحن اليوم نفخر ونتفاخر بأن لنا حشدنا الذي أعاد للعراق هيبته وسيادته, وبأنه طالما لدينا عقيدة حقيقية لن نُهزم ولو اجتمع علينا أهل الأرض فالموت في ساحات الشرف حياة بل الحياة الأكثر سعادة في كنف الخلود.

إيمان كاظم