عراقية من البصرة عملت أمينة مكتبة البصرة المركزية، وفي أذار 2003 كانت الحرب تلوح في أفق البصرة، يوم دخلت قوة عسكرية عراقية لتنصب مضاد للطائرات فوق مكتبتها المركزية التي تضم كتب ثمينة ومخطوطات قديمة.

 وفي مطلع نيسان 2003 ومـع اقتحـام القـوات البريطانيـة المشـاركة فـي غـزو العـراق مدينـة البصـرة، اتخذت عاليـة قرارها رغـم معارضـة المسـؤولين الحكومييـن، لتقـوم بنقـل أهـم الكتب والمخطوطـات بالتعـاون مـع موظفيها مـن المكتبـة المركزية إلى منازلهـم، خشـية أعمـال النهـب والتخريـب التـي تعرضـت لهـا المؤسسـات الحكوميـة.

إرث ثقافي

تقـول عاليـة التي شـغلت منصـب أمينة مكتبة البصـرة نحو 33 عامـا، لـم يكـن يدفعنـي إلى تلـك المهمـة اعتبـارات وظيفية بل كانـت إنسـانيتي وتعليمـي ومجتمعـي وأخلاقـي للحفـاظ علـى الكتـب مـن الضيـاع او التلف.. وبعد أن تحولـت المكتبة إلى ثكنة  ،2003 عسـكرية يشـغلها محافـظ البصـرة آنـذاك خـال حـرب طلبـت منـه نقـل الكتـب لكنه رفـض بإصرار غيـر مبـرر، وخوفا من تعرضهـا للقصـف اتفقـت سـرا مـع الموظفين علـى نقلها إلـى منازلنـا، ومـع دخـول قـوات الاحتـلال إلـى المدينة تعرضـت المكتبـة لسـرقة الأثـاث والأجهزة.

عمل بطولي

لـم يخطـر فـي بـال عاليـة فـي تلـك اللحظـات الحرجـة غيـر الحفـاظ علـى أكبـر كميـة مـن كتـب المكتبـة المركزيـة فـي البصـرة، والتـي تأسسـت ، فبـادرت لنقـل الكتـب إلـى 1931 العـام المطعـم المجـاور قبل أن تنقلها إلـى منازل بعض موظفيهـا وعمـال المطعـم الذيـن سـاعدوها فـي مهمتهـا، حتى تمكنت من حماية قرابة ثلاثين ألـف عنـوان من أهـم الكتب والمخطوطـات قبل أن ت كباقـي المؤسسـات الحكوميـة. كانـت تخشـى مـن نسـف وحرق التـراث العراقـي الموجـود فيها، فطلبـت مـن السـلطات العراقيـة آنـذاك نقـل الكتـب إلـى بيتها ولكـن طلبهـا رفـض، لتجـازف بحياتهـا المهنيـة بشـجاعة حيـث قامـت بتهريـب الكتـب ليـا و بمسـاعدة أهـل المنطقـة الذيـن كانـوا يعملـون قـرب المكتبـة ..مـع علمهـا ان مـن سـاعدها مـن سـكان المنطقـة بمعظمهـم لا يجيدون حتـى القـراءة والكتابة، الا انهـم استشـعروا أهميـة مـا يقومـون بـه مـن انقـاذ للمعرفـة والعلم! 30 ألـف كتاب مـن المكتبة فقـد تمكنـت ورفقاهـا مـن تهريـب هـا داخـل سـتائر وحملهـا الى المـكان المتفق ّإلـى منزلها، عبـر لف عليه. 

واشـتعلت نيـران الغـزو علـى العـراق وصبـت جـام غضبهـا على كل شـيء جميـل وكانـت مكتبة البصرة الكبيرة احـدى ضحاياها، الا ان الكتـب فـي مخبئهـا الأميـن قبـل أن تحتـرق المكتبـة و60%  مـن أهـم الكتـب بالكامـل ولـم يبـق منهـا إلا الرمـاد، والمراجـع والمصنفـات تختبـئ فـي منـزل عاليـة المرأة الشـجاعة المليئـة بالوطنيـة وحـب الارث الحضـاري الـذي يقبـع فـي طيات الكتـب الثمينـة.

حماية الفكر

كانـت المراسـلة الأمريكيـة (شـيلا ديـوان) تراقـب حمـلات إخـاء الكتـب والمراجـع, تسـجل تحـركات هـذه المـرأة البصراويـة  حتـى بيتهـا، ًالشـجاعة, تلتقـط لهـا الصـور, لاحقتهـا سـرا وشـاهدت الكتـب مكدسـة في كل مـكان من المنزل, على الأسـرة وفـي الخزائـن والشـبابيك والطـاولات وفـوق الأرض.. أبهرهـا المشـهد بحسب ما نقل عن مشـاهداتها, وأعجبت بحرص (عالية) علـى حمايـة التـراث الفكـري والثقافـي والعلمي لمدينتهـا, التي نهشـتها غربـان الشـر, فكتبـت مقالـة عـن تضحياتهـا, نشـرتها جريـدة (نيويـورك تايمـز) بعددها الصادر في السـابع والعشـرين مـن تمـوز  العـام 2003.

افضل القصص

قـرأت الكاتبـة الأمريكيـة (جانيـت ونتـر) مـا كتبتـه (شـيلا ) فحفزهـا لكتابـة واحـدة مـن أروع قصـص الأطفال باللغـة الانجليزيـة, حملـت عنـوان (أمينـة مكتبـة البصـرة) نشـرتها , وفـازت بالجائـزة الأولـى 2005مؤسسـة (هاركـورت) العـام فـي تلـك السـنة كأفضـل قصـة أميركيـة للأطفـال, ثـم ترجمت فـي العـام التالـي إلـى اللغـة الايطاليـة لتنـال أعلـى الجوائز في مهرجـان يقـام فـي مدينـة (بارمـا), ومازال يُقرأ هذا الكتاب في مختلف أنحاء العالم, وترجم إلى الفرنسية والاسبانية والروسية واليابانية, وتم تحويله إلى مسرحيات عالمية للأطفال تعرض منذ بضعة سنوات بلغات عدة.

احتفاء وتكريم

مكتبـة البصـرة المركزيـة أعيـد بناؤها وأعـادت عاليـة الكتب إلى مكانهـا، وتـم تعيينها كمديـرة لها.

ونظـم البيـت الثقافـي فـي البصـرة بمقـره تجمعـا للأحتفاء بتكريـم مديـرة المكتبـة المركزيـة العامة فـي المحافظـة ومنحها "درع الإبـداع الثقافـي".

سعاد البياتي