كنا قد انهينا جولة سريعة في سوق بلدتنا حين مررنا قريبا من بائع  الخضروات، رأيت  سلة من ورد احمر.

كانت الورود عطرة وصغيرة الحجم وبعضها لم تتفتح بعد وحين سألته عن السعر قال بانتباه كمن يريد ان يشرح مسألة تعنيه بشدة.

- اشتريتها بثلاثة آلاف دينار اعطيني اربعة وخذيها!

نظرت اليه بأسف قلت مستنكرة.

قلت في سري:

- كل تلك الورد الحمراء العطرة بثلاثة آلاف؟

كانت تتراكم فوق بعضها وقد غفت متعبة، تحركها اصابعه الخشنة بحياد ولا مبالاة، لم تحرك في روح البائع ذرة من احساس، فقد كانت ستذبل ان لم يتخلص منها سريعا!

 اشتريتها حينها سأل زوجي بدهشة:

- كم شجرة اثكل من حصد أرواح هذه الزهور؟

ما فائدة  هذا؟

ثلاثة آلاف دينار فقط!

 انها مئات الورد ومن اشتراها ماذا قال لنفسه؟

بدانا  ننسج  القصص عن تلك الزهور الحمراء المختالة في غصنها, وكيف استطاع ان يقتطعها بهذه الطريقة, ساق قصيرة جدا ودون تمييز، هل شم عطرها؟

هل احبها؟

 هل تمعن بتفاصيلها المبهرة؟

كانت بغاية الروعة, تلك الانحناءات الحمراء العطرة, وتلك التركيبة المذهلة لتويجها, تتمكن فيه من التعبير عن الكبرياء والجمال بأبهى صوره حد الهيبة, فلا نملك الا ان ننظر اليها بتقدير, كيف لم يشعر حين اقتطعها بذلك الإحساس؟

وحصدها مثل سنبل لم يكتمل نضجه!

 قال زوجي محتجاً:

- من قطعها آثم, هذه جريمة!

- اتظن أنه هو من زرع شجر الورد ؟

- لا من يزرع الورد لا يزهد به بهذه الطريقة الفجة, ما فعله إذلال لهذه الورود وخيانة, انها مجزرة!

هل تعتقد أنه سرقها مثلا؟

- يحتاج الى  الوقت ليقطع كل هذه الورود واللصوص, لا يملكون الوقت.

نظرت إليها بحزن  فلقد كانت تشبه رضيع منبوذ, قلت بأسف:

- غلاظ القلوب, انهم وحوش كيف يفعلون ذلك؟

ستذبل وتموت!

نظر إلى الامام دون أن يقول كلمة ثم أشار للشارع وردد بثقة:

- سنعيد كبرياء الورد لا تقلقي!

 نظرت اليه متسائلة، فتابع بحماس:

- سنوزعها على الزائرين  الذي يقصدون كربلاء!

 نظرت للشارع بفرح

فتابع:

- انها الشعبانية والورود الحمراء في مكانها بالضبط، وهو الحب  لذلك المنتظر، والمحب يسعى إليه، ليلمس عاشقه ومحبه, وردة حمراء مجرد ان يلمسها كفاية، سيعطيها معنى الوجود, ومعنى ان تكون وردة حمراء,

لنذهب.

ابتسمت بفرح, وانا اتحسس الازهار بمحبة ونحن نقطع الطريق الى الجهة الاخرى حيث يسير المحبون الى ضريح الحسين (عليه السلام) بمناسبة النصف من شعبان.

 

الدكتورة سليمة سلطان نور