(الحلقة الأولى)

إنها المرأة التي تكلّلت بإكليل القداسة, وتوشّحت بوشاح الشرف والمجد والسؤدد, فاختارها الله لحمل نور النبوة, واصطفاها بأمومة أقدس إنسان عرفه الوجود, الإنسان الذي كان واسطة الأرض بالسماء, الإنسان الذي صدع بالحق كما أمره ربه إذ ألقى عليه قولاً ثقيلاً, فجاء بالشريعة الغرّاء لإنقاذ الإنسان من غيابات الجهل والظلام إلى باحة النور والسلام, وتخليص الشعوب المستضعفة من ربقة الظلم والجور والعبودية.

إنها أم سيد الخلق التي أنجبت نور السماء فانشق إيوان كسرى, وخمدت نار فارس, وغيضت بحيرة ساوة.

هي: أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أمها: بَرَّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

جدتها عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال السلمية, وهي أحدى اللواتي اعتز بهن النبي (ص): فقال: أنا ابن العواتك من سليم

عبد الله

عندما كان عبد المطلب ينقّب عن زمزم وواجهته قريش بالأذى نذر إن ولد له عشرة أولاد أن يذبح واحداً منهم لله عند الكعبة, فلما صار له من الأولاد عشرة واقترع عليهم وقع السهم على عبد الله والد النبي (ص), كما في القصة المعروفة فتأسى بجده الخليل إبراهيم (ع), ثم فدى ابنه عبد الله بمائة من الإبل.

ولما سلم عبد الله من الذبح, قرر عبد المطلب تزويجه, فأخذه إلى وهيب بن عبد مناف وهو عم آمنة بنت وهب وكانت تحت رعايته بعد أن مات أبوها، وهي أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً وشرفاً, فخطبها لولده عبد الله، وخطب في الوقت نفسه ابنة وهيب هالة لنفسه، فزوّجه إياها، فكان زواج عبد المطلب وعبد الله في مجلس واحد، فولدت هالة لعبد المطلب حمزة، وولدت آمنة لعبد الله محمداً فالحمزة (ع) هو عم النبي (ص) وابن خالته.

أمّا والدة عبد الله فهي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم, وهي والدة أبي طالب أيضاً, وقد خصّ الله هذه السيدة الجليلة بأن تكون جدة للنبي (ص) والوصي (ع) دون غيرها من زوجات عبد المطلب.

وهكذا شاء الله أن تكون هذه المرأة الطاهرة ــ أمنة بنت وهب ــ زوجة لعبد الله وأماً لسيد خلقه وخاتم أنبيائه ليكون أشرف الناس حسباً, وأكرمهم نسباً, فطهّره من الرجس ونقله من الأصلاب الشامخة إلى الأرحام المطهرة, فكان خاتماً لأنبيائه وسيّداً لعباده فقد أعطى الله عز وجل آمنة من النور والعفاف والبهاء والشرف والجمال والكمال، ما أنها كانت تدعى سيدة قومها.

كان عبد الله الابن الأصغر لعبد المطلب, ومن أحب أولاده إليه, وكان يعمل بالتجارة، وفي إحدى رحلاته خرج من مكة وتوجه نحو الشام في تجارته مع قافلة لقريش، وفي عودته مرّت القافلة بيثرب، فمرض عبد الله, وبقيَ في المدينة بين أخواله بني النجار على أن يلحق بالقافلة عندما يُشفى من سقمه.

فلما جاء رجال القافلة إلى مكة سألهم عبد المطلب عنه، فقالوا: تركناه مريضاً !

فبعث إليه أخاه الحارث ليسأل عن حاله, فقالوا له:

إن عبد الله قد مات !!

محمد طاهر الصفار