يفصح اللسان عما نفكر به, يترجم مشاعرنا, هو المتسرع الذي غالبا ما يجعلنا نندم, وأحيانا يغير مجرى حياتنا نحو الأفضل, ولأن الإمام السجاد (عليه السلام) أراد برسالته الحقوقية أن يضع دستورا أخلاقيا لتنظيم حياة الإنسان وتسييرها نحو التكامل؛ ترك لنا نصا يفصح عن حقيقة ما يحمله اللسان من مسؤولية عظيمة إذ يكاد أن يكون هوية حقيقية تعبر عن دواخل الإنسان بغض النظر عن شكله الخارجي, وفي جميع الأحوال والظروف التي تستلزم استمالة اللسان لأداء دوره.

 

نص حق اللسان وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):

(وأما حق اللسان: فإكرامه عن الخنا، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، واجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، واعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها, وبعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

 

شهادة لا تقبل النقض

أورد الإمام زين العابدين (عليه السلام) جملة من حقوق النفس على الإنسان؛ ليوضح لنا بأننا لسنا أحرارا بجعل أنفسنا عُرضة للخطأ أو متهاونين معها وتركها فريسة سهلة للأهواء والملذات, فالنفس أمانة, ولحفظها لابد من منح جوارحها مساحة مستقيمة لتأدية ممارساتها اليومية دون الإخفاق والتعثر في مديات الغفلة, ومن الأدلة التي تجعل الإنسان يتدبر بحقوق هذه الجوارح بل يخشى ظلمها هو شهادتها عليه يوم القيامة, حيث ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم بأن اللسان ينطق بحقيقة ما قال ويشهد بكل كلمة وإن كذّب الإنسان قوله!

فلسفة الأخلاق

لا يوجد إنسان في هذه المنظومة الكونية يطابق إنسانا آخر في الشكل أو الروح أو السلوك, فكلنا نختلف عن بعض بنسب تتراوح فيما بيننا تبعا لمجمل الظروف التي ننشأ عليها, وأكثر ما يميز الشخص عن سواه هو قدرته على تمييز نفسه من خلال خطابه الفكري, وبعبارة أبسط تعريف نفسه للآخرين من خلال ما ينتقيه من عبارات وهنا يأتي دور اللسان جليا, فهو الأداة التي تعبر عنا وتعكس المكنون الداخلي للفرد, لذا اهتم الفلاسفة وعلماء الاجتماع بدراسة طبيعة الإنسان وعلاقته بمن حوله وتأثير ذلك على سلوكياته, وأكثر ما يعضد هذه الدراسات هو التعبير المباشر لمجموعة من الأفراد عن أنفسهم وعن سواهم ممن تربطهم علاقات اجتماعية وعن الظواهر والدين والانتماء وإلى آخره من أمور الحياة, حيث يوضح لسان الفرد درجة نضوجه العقلي, وتفاعله الحسي والعاطفي, وخزين ذاكرته, وربما تبرز فلتات اللسان - خاصة - عند الانفعال حقائق يحاول الإنسان إخفاءها إما لسلبيتها أو لعدم قدرته بالإفصاح عنها, ووفق ما تقدم فإن للسان حكومة على الإنسان في مواضع, ولكن في مواضع أخرى كثيرة يحكم الشخص لسانه.

 

أناقة اللسان

كما يهتم الإنسان ويسعى لتحسين مظهره الخارجي, عليه أن يجتهد بأن يكون أنيق اللسان, فثمة جملة من الكلمات والألفاظ التي لا تليق بطبيعة الإنسان المؤمن, وهناك تراكيب وعبارات أخرى تقترن ببعض النوايا السيئة والتي ايضا لا يجب إيرادها على اللسان كالغيبة, وبعض الكلمات تستدرج صاحبها إلى التهلكة كألفاظ الشرك وشهادة الزور والتجني على الأخرين وخدش حيائهم بكلمات نابية, ومع هذا فاللسان يمكن تطويعه بالعمل وترويض النفس ليكون بلسما بدل كونه جارحا, فالكلمات الطيبة تُهدي صاحبها جمالا لا يأفل مهما بلغ من العمر, والأهم فإن للسان الكلمة الفصل في تحديد مسار الحياة وقوة التأثير بالآخرين.

 

الصمت

خلال حديثنا عن اللسان لابد من الإشارة إلى (الصمت) وهو ترك اللسان والاعتماد على العقل في التفكير والتدبر والتأمل وحوار النفس الداخلي, حيث تساعد إراحة اللسان عن التكلم على تجنب الوقوع ببعض الذنوب والهفوات, كما أن بعض الاحاديث تندرج تحت مسمى (الثرثرة) وهو كلام بلا طائل ودون جدوى ولا يتعدى كونه تعبئة لأفكار خاطئة وتناقل أخبار غير صحيحة غالبا, لذا فإن من حق اللسان علينا أن نعقده بالمنفعة, ونعينه على الحكمة من خلال حضور العقل, والأهم تعطيره بشذا الكلمة الطيبة, وتحصينه من الخبث والسيئات.

إيمان الحجيمي